المرأة في مستوى المثل للآخرين
وفي هذه الآيات نلتقي بالمرأة لتكون مثلاً حيّاً للخط السلبي والخط الإيجابي في سلوك الإنسان ،الرجل والمرأة ،فكانت المرأة الكافرة في نموذجين مثلاً للذين كفروا ،وكانت المرأة المؤمنة في نموذجين ،مثلاً للذين آمنوا ،لنأخذ من ذلك الفكرة الإسلامية التي تتحدث عن المرأة من موقع القيمة التي تصلح عنواناً للضعف البشري ،أو تكون وجهاً من وجوه القوّة الإنسانية ،لتوحي بأن الضعف الأنثوي لا يمثل الحتمية الخالدة في شخصية المرأة ،بل يمكن لها أن تنميِّ عناصر القوّة في شخصيتها ،لتحصل على الشخصية القوية التي تكون قدوةً ومثلاً حيّاً إيجابياً للرجل والمرأة معاً ،ما يلغي الفكرة التي تنظر إلى المرأة من موقع الضعف الذي لا مجال فيه لأيّة قوةٍ .
امرأتا نوح ولوط مثلٌ للكافرين
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} فكانتا زوجتين لنبيين من أنبياء الله هما نوح ولوط ،{فَخَانَتَاهُمَا} في موقفهما المضاد للرسالة ،حيث اتبعتا قومهما في الكفر ،ولم تنسجما مع طبيعة موقعهما الزوجي الذي يفرض عليهما أن تكونا من أوائل المؤمنين بالرسالة ،لأنهما تعرفان من استقامة زوجيهما وأمانتهما وصدقهما وجدّيتهما ما لا يعرفه الآخرون ،فلا يبقى لهما أيّ عذرٍ في الانحراف عن خط الرسالة والرسول ،ولكن المشكلة أنهما كانتا غير جادّتين في مسألة الانتماء الإيماني والالتزام العملي ،فلم تنظرا إلى المسألة نظرةً مسؤولةً ،بل عاشتا الجو العصبي الذي يربطهما بتقاليد قومهما ،فكانتا تفشيان أسرار النبيين في ما قد يسيء إلى مصلحة الرسالة والرسول ،وكانتا تبتعدان في سلوكهما عن منطق القيم الروحية الإيمانية لتبقيا مع منطق الوثنية ،ما يجعل البيت الزوجي النبوي يتحرك في دائرة الجاهلية إلى جانب دائرة الإيمان ،ولعل ضلال ابن نوح كان خاضعاً لتأثير والدته ،ويقال: إن امرأة لوط كانت تخبر قومها بالضيوف الذين يزورون زوجها ،ليقوموا بالاعتداء عليهم ،فكانت خيانتهما للموقف وللموقع .
{فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} ولم تنفعهما صلتهما الزوجية بالنبيّين في إنقاذهما من المصير المحتوم ،لأن المسؤولية لدى الله تبقى في النطاق الفردي الذي يتحمل فيه كل إنسان مسؤولية عمله ،من خير أو شرّ ،فلا قيمة للعلاقات بالخيّرين إذا كان المتصل بهم كافراً شريراً ،كما لا قيمة للعلاقات بالأشرار إذا كان المتصل بهم مؤمناً خيِّراً .وهكذا واجها الموقف الحاسم الذي يفرضه كفرهما وخيانتاهما العملية للنبيِّين ،{وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَاخِلينَ} لأن القاعدة التي فرضت دخولهم في النار هي التي تفرض دخولكما فيها .