/م21
تفسير الشيخ محيي الدين بن عربي للآية الأخيرة من السورة واستطراد خاطف إلى تفسيرات الصوفية وتعليق عليها
هذا ،وفي الجزء الثالث من كتاب التفسير والمفسرون لمحمد حسين الذهبي تفسير مروي عن الشيخ محيي الدين بن عربي الصوفي المشهور للآية{وادخلي جنتي} جاء فيه: ( وادخلي جنتي التي هي ستري وليست جنتي سواك .فأنت تسترني بذاتك الإنسانية فلا أعرف إلاّ بك كما أنك لا تكون إلاّ بي ،فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف ،فإذا دخلت جنة دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها فتكون صاحب معرفتين معرفة به من حيث أنت ومعرفة بك من حيث هو لا من حيث أنت .فأنت عبد رأيت رباً وأنت رب لمن له فيه أنت عبد وأنت رب وأنت عبد لمن له في الخطاب عهد ...){[2418]} .
والشطح في هذا التفسير ظاهر ؛حيث تفسر كلمات القرآن الواضحة المعنى والمدى بتأويلات رمزية لا تتصل بهدف القرآن الذي هو دعوة الناس إلى الإيمان بالله وحده واليوم الآخر وبرسالة رسوله وبما جاء في كتابه وسنة رسوله والالتزام به والوقوف عنده ؛لأنه في ذلك صلاح بني الإنسان ونجاتهم في الدنيا والآخرة .وفي حين أن العبارات القرآنية قطعية الدلالة على أن خلق الله هو غير الله تعالى ،فإن الشيخ في شطحه حين يفسر الآية التي نحن في صددها يجعل الله تعالى وتنزه وخلقه شيئاً واحداً ،متعدد الصور فلا يتورع من القول إن العبد رب للرب والرب عبد للعبد مما يقال له: وحدة الوجود التي يستغرق فيها الصوفيون فيعمدون إلى تفسير آيات القرآن وفاقاً لها مهما كانت المناسبة مفقودة ومهما كانت العبارات واضحة صريحة .ومهما كان فيما يقولونه شطح وشطط ومفارقة لغوية أو سبكية أو نظمية .بل ومهما كان فيه كفر بواح .ولهم شعار خاص بهم أسوة بشعار غلاة الشيعة والباطنية فهؤلاء يعمدون إلى تغطية هذياناتهم وشطحاتهم بالقول إن لكل آية وجملة قرآنية ظاهراً وباطناً وإن الجوهري المهم هو الباطن الذي يمكن أن تتعدد وجوهه وأن لا يكون منطبقاً على سياق أو مناسبة أو حاضر أو مستقبل أو لغة كما شرحنا ذلك قبل .
والصوفيون يعمدون إلى تغطية هذياناتهم وشطحاتهم بالقول: إن للجمل القرآنية معنى حقيقياً ،ومعنى ظاهرا تشريعياً ويقولون: إن الجوهري هو الحقيقة وإن الشريعة فيه هي شؤون ظاهرة تناسب عقول البسطاء من المسلمين ،وإن من السائغ أن لا يكون بين الحقيقة والشريعة توافق في المدى والمحتوى والمناسبات وسائر الوجوه والمجالات .وسنورد أمثلة أخرى من تفسيراتهم لتوكيد الصورة بقصد تنبيه المسلمين إلى نموذج آخر من النماذج الشاذة في تفسير كتاب الله تعالى ، وهو التفسير الصوفي ،وتحذيرهم من هذا النحو الذي لا سند له من عقل ونقل ،والذي يعمد إليه أفراد شاذون في خيالهم وعقولهم يزعمون لأنفسهم الإلهام والوحي ،أو يزعم لهم ذلك في حين أن الله تعالى قد أنزل الكتاب على رسوله ليكون للعالمين نذيراً وليخرج الناس من الظلمات إلى النور وليكون فيه هدى ورحمة لقوم يؤمنون وليهديهم به إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين كما علمنا الله أن ندعوه وله الحمد أولاً وآخراً .
ولقد تصدى لابن عربي وأمثاله المتصوفة القائلين بوحدة الوجود وكون كل ما في الكون من خلق وكل ما يفعله الخلق هي صور لله كثير من العلماء في مختلف الحقب والبلاد الإسلامية ،ويندّدون بأقوالهم ويبينون ما فيها من تحريف وانحراف بل دسائس على الإسلام لما فيه من شطح وهذيان ،ثم لما تؤدي إليه من إسقاط تكاليف الإسلام وإباحة كل محرم والتسوية بين الله والأوثان وبين المتقين والمجرمين والزناة واللصوص ،وبين الخير والشر والهدى والضلال والانحراف والاستقامة وإنكار لليوم الآخر وحسابه وثوابه وعقابه"انظر كتاب مصرع التصوف أو تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ،وتحذير العباد من أهل العناد ،تأليف العلامة برهان الدين البقاعي ،تحقيق وتعليق عبد الرحمن الوكيل ،مطبعة السنة المحمدية ،القاهرة 1373 ه - 1953م ) .