( وادخلي جنتي ) وهذا يقال لها عند الاحتضار ، وفي يوم القيامة أيضا ، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره ، وكذلك هاهنا .
ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية ، فروى الضحاك ، عن ابن عباس:نزلت في عثمان بن عفان . وعن بريدة بن الحصيب:نزلت في حمزة بن عبد المطلب ، رضي الله عنه .
وقال العوفي ، عن ابن عباس:يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة:( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك ) يعني:صاحبك ، وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا ، ( راضية مرضية )
وروي عنه أنه كان يقرؤها:"فادخلي في عبدي وادخلي جنتي ". وكذا قال عكرمة والكلبي ، واختاره ابن جرير ، وهو غريب ، والظاهر الأول ; لقوله:( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) [ الأنعام:62] ( وأن مردنا إلى الله ) [ غافر:43] أي:إلى حكمه والوقوف بين يديه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله:( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) قال:نزلت وأبو بكر جالس ، فقال:يا رسول الله ، ما أحسن هذا . فقال:"أما إنه سيقال لك هذا ".
ثم قال:حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن سعيد بن جبير قال:قرأت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -:( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) فقال أبو بكر ، رضي الله عنه:إن هذا حسن . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -:"أما إن الملك سيقول لك هذا عند الموت ".
وكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن ابن يمان ، به . وهذا مرسل حسن .
ثم قال ابن أبي حاتم:وحدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا مروان بن شجاع الجزري ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال:مات ابن عباس بالطائف ، فجاء طير لم ير على خلقه فدخل نعشه ، ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ، ما يدرى من تلاها:( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) .
رواه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه ، عن مروان بن شجاع ، عن سالم بن عجلان الأفطس ، به فذكره .
وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشكر - في كتاب "العجائب "بسنده عن قباث بن رزين أبي هاشم قال:أسرت في بلاد الروم ، فجمعنا الملك وعرض علينا دينه ، على أن من امتنع ضربت عنقه . فارتد ثلاثة ، وجاء الرابع فامتنع ، فضربت عنقه ، وألقي رأسه في نهر هناك ، فرسب في الماء ثم طفا على وجه الماء ، ونظر إلى أولئك الثلاثة فقال:يا فلان ، ويا فلان ، ويا فلان - يناديهم بأسمائهم - قال الله تعالى في كتابه:( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) ثم غاص في الماء ، [ قال] فكادت النصارى أن يسلموا ، ووقع سرير الملك ، ورجع أولئك الثلاثة إلى الإسلام . قال:وجاء الفداء من عند الخليفة أبي جعفر المنصور فخلصنا .
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة رواحة بنت أبي عمرو الأوزاعي ، عن أبيها:حدثني سليمان بن حبيب المحاربي ، حدثني أبو أمامة:أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل:"قل اللهم ، إني أسألك نفسا بك مطمئنة ، تؤمن بلقائك ، وترضى بقضائك ، وتقنع بعطائك "
ثم روى عن أبي سليمان بن زبر أنه قال:حديث رواحة هذا واحد أمه .
آخر تفسير سورة "الفجر "ولله الحمد [ والمنة] .