إن عليك إلا البلاغ
قال تعالى:
وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون 41 ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون 42 ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون 43 إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون44 ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين 45 وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون46
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هدايتهم ، كما قال تعالى:{ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين3}( الشعراء ) ، فبين الله سبحانه أنه لا يهدي وإنما ينذر ويبشر كما قال تعالى:{ إنما أنت منذر . . .45}( النازعات ) .
في هذه الآية يآمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحملهم إن كذبوا تبعات أعمالهم في الكفر فقال تعالى:{ وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل} مغبة عملكم عليكم ، ومثوبة عملي لي وإني بريء مما تعملون وتكررون عمله آنا بعد آن وتجددونه تجددا مستمرا ، وقد أعذر من أنذر وقد أنذرتكم وشددت النذير ووعظتكم أحسن الوعظ وتلوت عليكم آيات بينات فيها سبيل العمل الصالح وتكوين الجماعة الفاضلة فإن استجبتم فقد أحسنتم لأنفسكم ، وإن كذبتم فعليكم تبعات ما تعملون ، كما قال الله تعالى:{ لا أعبد ما تعبدون 2 ولا أنتم عابدون ما أعبد3 ولا أنا عابد ما عبتدتم4 ولا أنتم عابدون ما أعبد 5 لكم دينكم ولي دين 6}( الكافرون ) ،{ وأنا بريء مما تعملون} كل إنسان وما يعمله ، لا يؤاخذ صلى الله عليه وسلم في كفرهم هو بريء منهم ومن أعمالهم ، ومع هذا يبرأ إلى الله من أعمالهم تنزيها لنفسه عن أن يشرك أو يرضى عن شركهم المستمر المتجدد ، وقد عبر بالمضارع ؛ لأن أعمالهم الفاسدة متجددة مستمرة التجديد .
في المسلك الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسلكه إرشاد حكيم للعصاة وإيئاس لهم من أن يكون معهم ، بل فيه دعوة إلى الاقتداء به في عمله ، وفيه إشارة إلى فساد أعمالهم ، والمفسد إذا رأى عمل المصلح تأثر بعمله ، بل إن ذلك أشد تأثيرا من قوله وأفعل في النفس وأدعى للتأمل ، واتجاه النفس إلى ما في ثناياها ، وربما اهتدت ، وأنها لو فرض أمرها إليها قد يكون الخوف فيها ، وأنه إذا داخل الجاحد الخوف من مغيب عنه سار في طريق الهداية .