وإن الحق حق في ذاته ، سواء أكثر من آمنوا به أم قلوا ، وسواء خضع له أو لم يخضع ، والثواب لمن آمن واهتدى والعذاب لمن كفر .
ولذا قال تعالى:{ ومنهم من يؤمن ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين40} .
الضمير في كلمه{ منهم} يعود على المشركين في قريش ، أما الضمير في كلمة{ به}فيعود على القرآن الكريم .
وإنه من نعم الله على الخلق أن لم يجعلهم جميعا على كلمة الشرك أو الإنكار ، بل منهم من يذعن للحق فيسارع إليه كما يسارع المشرك إلى الإنكار .
وهذا الكلام فيه تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه مع هذه الحال الحالكة المظلمة سيكون من يؤمن ومن يجدد إيمانكم في كل الأزمان ويصدق بالقرآن ويذعن له ، فالقرآن باق خالد محفوظ ، ونور يهدي ما بقى الإنسان في هذه الأرض .
ومنهم من يبتلي الله به المؤمنين بإنكارهم ولجهم في الإنكار ومعاندتهم للحق وحربهم لأهله ، والتعبير بالمضارع لبيان تجديد الإيمان واستمراره وأن الكفر باق ليكن ذلك ابتلاء المؤمنين وتثبيتا لإيمانهم ، ثم يقول تعالى:{ وربك أعلم بالمفسدين} علما دقيقا محيطا بالذين لا يؤمنون ، وعبر عنهم بالمفسدين ؛ لبيان أن في طلبهم الإفساد في الأرض ومنه الإصلاح فيها ، فمنهم المنافقون الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، ومنهم المعاندون الذين يحاربون الإيمان ويحاولون أن يسدوا مسالك الهداية ، وذكر العلم بالمفسدين إنذار بالعقاب من الله تعالى الذي لا يغيب عن علمه كبيرة ولا صغيرة في السماء ولا في الأرض .