وانا نظرهم كسمعهم ،ولذا قال تعالى:ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون43} .
إنهم ينظرون إلى السماء وما فيها من أبراج وإلى الأرض وما تخرج من طيبات الرزق ولكنهم عمون عن عجائب الوجود ، كما قال تعالى:{ أفلم ينظرون إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج6 والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج7 تبصرة وذكرى لكل عبد منيب 8 ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد9 والنخل باسقات لها طلع نضيد 10 رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج11}( ق ) .
ينظرون في الكون ولكن لا يدركون ما يهدي إليه النظر فكأنهم عمى لا يدركون؛ لأن النظر من غير إدراك لما يدل عليه المنظور من آيات بينات ، شأنه كعدم النظر سواء ؛ إذ ثمرة النظر مفقودة في الحالين .
ولذلك قال تعالى:{ ومنهم من ينظر إليك} ولكنهم غير ناظرين ؛ لأنهم غير مدركين ما في الوجود من آيات بينات ، وقال سبحانه:{ إليك} وفي الآية السابقة{ يستمعون إليك} إشارة إلى أنهم يكونون مع النبي بحسهم و ليس بعقولهم ، ثم قال تعالى:{ أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} وشبههم بالعمي لعدم الثمرة في نظرهم ، وهم معرضون عن آيات الله تعالى ، والاستفهام للتعجب .
ولقد قال الزمخشري في هذه الآية والتي قبلها:"ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكنهم لا يعون ولا يقبلون ، وناس ينظرون ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لا يصدقون ، أفتطمع أن تسمع الصم ولو انضم إلى صمهم عدم عقولهم ؛ لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل ، ولكن إذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعا فلا فائدة في استماعهم ودعوتهم ، أتحسب أنك تقدر على هداية الأعمى ولو انضم إلى العمى ، وهو فقد البصر فقد البصيرة ؛ لأن الأعمى له في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن ، وأما العمي مع الحمق فجهد البلاء ، وذلك أنهم في اليأس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمي الذين لا بصائر لهم ولا عقول".