/م42
{ ومِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} أي يوجه أشعة بصره إليك عند ما تقرأ القرآن ، ولكنه لا يبصر ما آتاك الله من نور الإيمان ، وهيبة الخشوع للديان ، وكمال الخلق والخلق ، وأمارات الهدى والحق ، وآيات التزام الصدق ، التي عبر عنها أحد أولي البصيرة بقوله عندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم:والله ما هذا بوجه كذاب ، وقال فيه آخر:
لو لم تكن فيه آيات مبينة***كانت بديهته تنبيك بالخبر
وقال حكيم إفرنجي:كان محمد يقرأ القرآن في حالة وَلَه وتأثر وتأثير ، فيجذب به إلى الإيمان أضعاف من جذبتهم آيات موسى وعيسى ( عليهم السلام ) .
ومن فقد البصيرة العقلية والقلبية فيما يراه ببصره- فجمع بين وجود النظر الحسي بالعينين وعدم النظر المعنوي بالفعل- فهو محروم من هداية البصر -وهي البصيرة التي يمتاز بها الإنسان عن بصر الحيوان- فكأنه أعمى العينين{ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ولَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ} أي أنك أيها الرسول لست بقادر على هداية العمي بدلائل البصر الحسية ، فكذلك لا تقدر على هدايتهم بدلائله العقلية ، ولو كانوا فاقدين لنعمة البصيرة التي تدركها ؟ وقد أسند فعل الاستماع إلى الجمع لكثرة تفاوت المستمعين واختلاف أحوالهم فيه ، وأسند فعل النظر إلى المفرد لأنه جنس واحد ، ولكنه أفرد السمع وجمع الأبصار في بضع آيات منها 31 من هذه السورة لما ذكرناه في تفسيرها .
والمراد من الآيتين أن هداية الدين كهداية الحس ، لا تكون إلا للمستعد لها بهداية العقل ، وأن هداية العقل لا تحصل إلا بتوجه النفس وصحة القصد ، وهذا الصنف من الكفار قد انصرفت أنفسهم عن استعمال عقولهم في الدلائل البصرية والسمعية لإدراك مطلب من المطالب مما وراء شهواتهم وتقاليدهم ، وليس المراد أنهم فقدوا نعمة العقل الغريزي ولا نعمة الحواس ؛ بل استعمالهما النافع كما قال في سورة الأعراف:{ ولَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ والإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ولَهُمْ أَعْيُنٌ لاّ َيُبْصِرُونَ بِهَا ولَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [ الأعراف:179] فراجع تفسيرها للاعتبار والاتعاظ ، وقد بين ذلك بيانا مستأنفا بما يبطل القول بالجبر فقال .{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً}