{ الذين آمنوا وكانوا يتقون 63}آمنوا بالله حق الإيمان يعبدونه كأنهم يرونه فإن لم يكونوا يرونه يحسون في عبادتهم كأنهم في حضرته العلية سبحانه ، وهذا هو الإحسان ، كما قال صلى الله عليه وسلم:"اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"{[1302]} .{ وكانوا يتقون} أي يخافون غضب الله تعالى ويتقون عذابه .
وإنهم إذ يؤمنون ذلك الإيمان ويحسنون ويتقون الله حق تقاته ، تكون قلوبهم عامرة بذكر الله تعالى فلا يخافون من مستقبلهم ، وقد فوضوا أمورهم لله تعالى وتوكلوا عليه سبحانه حق توكله بعد أخذهم بالأسباب ، وتركوا لله تعالى مؤمنين أن يوفق ويربط الأسباب بمسبباتها .
وهنا عبارتان لهما مغزاهما:
العبارة الأولى – قوله تعالى:{ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي أنهم يرجون ما يرجوه المؤمن من ربه فالله تعالى يلقي في قلوبهم الاطمئنان إلى المستقبل ، وفي قوله تعالى:{ ولا هم يحزنون} تأكيد لعدم الحزن:
أولا:بتكرار كلمة{ لا}النافية ، فإنها مؤكدة للنفي المذكور في{ لا خوف عليهم} .
ثانيا:بذكر الضمير{ هم} فذلك مؤكد من مؤكدات الحكم .
ثالثا:في التعبير بالمضارع الذي يصور الاستمرار فإنهم لا يداخلهم الحزن ؛ لأن قلوبهم عامرة دائما بذكر الله فامتلأت طمأنينة ، والاطمئنان يطرد الحزن كقوله تعالى:{. . . .ألا بذكر الله تطمئن القلوب 28}( الرعد ) .
العبارة الثانية – قوله تعالى:{ وكانوا يتقون} وفيه جمع بين الماضي والمضارع ، والماضي في{ كانوا} والمضارع في{ يتقون} ، وهذا يفيد استمرار التقوى ، قلوبهم ممتلئة دائما بخشية الله تعالى ، وهم بذلك يستصغرون أعمالهم بجوار حق الله ويشعرون أنهم لم يؤدوا حق الله فيرجون رحمته ويخافون عذابه ، وذلك مقام الصديقين القريبين من الله دائما .
عن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:إن لله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله ، قيل:يا رسول الله أخبرنا من هم ، وما أعمالهم ؟ قال:هم قوم تحابوا في الله من غير ارحام بينهم ولااموال يتعاطونها فوالله ان وجوههم لنور وانهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس{[1303]} ، ثم قرأ الآية:{ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون 62 الذين آمنوا وكانوا يتقون 63 لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} .
وقبل أن تترك الكلام في معنى الولاية وقد عرفها سبحانه بأنها الإيمان الخالص والإحسان الكامل وامتلاء النفس بالتقوى ، لا بد أن نتكلم حول خوارق للعادات ، يقولون أنها تجري على أيدي من يسمونهم أولياء ، وبعض علماء الكلام يقولون:إنها تسمى كرامة ، وذلك خلاف لما جاء على يد الرسل وسميت معجزات .
ويذهب البعض إلى وجوب الإيمان بكرامة الأولياء ، ونحن نقول:لا نزيد على الذين ركنا من أركان الإيمان ، فمن رأى خوارق جرت على يد رجل ليست سحرا فليسر بما رأى ، ومن لم ير شيئا من ذلك فليس له أن يؤمن بما لم يكلفه الله تعالى الإيمان به .
وقد ذكر سبحانه ما ينال أولياء الله تعالى من خير بقوله: