واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون 71 فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين 72 فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين 73 ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين 74}
تجيء القصة في القرآن للعبرة كما قال تعالى:{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب . . . .111}( يوسف ) فكل قصة هي موضع عبرة وكل جزء من قصة هو لعبرة في هذا الجزء تناسب وضعه ولا تكاد تجيء قصة كاملة في موضع إلا قصة يوسف عليه السلام فهي متكاملة في موضوعها وهي بيان لحال الأسرة المصرية في عهد فرعون أو عهد الفراعنة- كما سنبين عند الكلام في معانيها إن شاء الله تعالى ، إن امتد الأجل إليها في موضعها . نجد في قصة نوح- غليه السلام- ومن يليه من الأنبياء مواقف متشابهة لتلك التي كانت تلقي بالحزن والألم الشديد في قلب النبي صلى الله عليه وسلم من كبراء قريش وخصوصا من كانوا يقفون موقف الزعامة الوثنية فيها ، حتى لقد قال الله تعالى مخاطبا نبيه:{ ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا . . .65}فكان من المناسب ذكر جزء من قصة نوح- عليه السلام- مع قومه وكيف صبر وصابرهم ثم بيان ما نزل بهم من غرق ، وكذلك قصة موسى مع طاغية التاريخ الإنساني فرعون وما لقيه منه موسى- عليه السلام- وما قاوم به ثم ما آل إليه أمره من الغرق في اليم بعد أن نجا بنو إسرائيل بعد أن انفلق البحر لهم اثنى عشر فرقا ، وكل فرق كالطود العظيم . فكان هلاك الظالمين من قوم نوح وقوم موسى بالغرق وإن اختلف نوعه ، فهلاك قوم نوح كان بسيل منهمر وينابيع ، أما هلاك فرعون وجيشه فكان بسيرهم في البحر الذي فتح لبني إسرائيل مع موسى عليه السلام ثم انطبق على فرعون وجنوده .
{ واتل عليهم نبأ نوح} أي الخبر العظيم الشأن الذي اتصل بنوح- عليه السلام- ولم يبتدئ بقومه ، بل ابتدأ به ؛ لأنه الذي نزل البلاء وكانت المحاربة بينه وبين قومه الذين عتوا وبغوا في الأرض وأصروا على عبادة الأوثان بإصرار .
{ يا قوم إنكان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت} ناداهم نوح- عليه السلام- بما يقربه إليهم ، وهو أنهم قومه الذي نشأ بينهم وتربى فيهم وكان الأولى بهم أن يستجيبوا له بدل أن يناوئوه ويكونوا حربا عليه ،{ إن كان كبر عليكم مقامي} مؤيدا من الله ، والمقام هو مقام الرسالة الذي كرمه الله تعالى به ، وعظم عن أن تدرك عقولهم تذكيره بآيات الله- فإنهم بهم لا يبالي فقد توكل على الله تعالى ولم يعد يحزنه قولهم ، وبلغ عدم الاهتمام بهم أن قال لهم{ فأجمعوا أمركم وشركاءكم} ،( الفاء ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، فإنه يترتب على التوكل على الله أن يواجههم معتزما إمضاء كلمة الله تعالى ،{ فأجمعوا أمركم} ، أي اعتزموا ما اعتزمتم ، يقال جمع أمره إذا عقد عزمه ووثقه ،{ وشركاءكم} ، الشركاء:هي الأوثان التي اتخذوها بزعمهم شركاء الله تعالى في عبادته ، سبحانه وتعالى عما يشركون ، وهو بهذا يتحداهم معتمدا على الله متوكلا عليه حق توكله .{ ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} أي لا يكون أمركم مستورا ، وهذا معنى{ غمة} ، بل يكون ظاهرا مكشوفا بينا ، أي ائتوا بكل قوتكم ظاهرة .{ ثم اقضوا إلي} أي افعلوا بي ذلك الأمر الذي تدبرون ، من إهلاك أو طرد أو ما ترونه أنفسكم .{ ولا تنظرون} أي عجلوا أمركم لا تؤجلون ، فإني مؤيد من الله وهو معي ولن يضيرني ما اعتزمتم وقد اعتمدت عليه سبحانه .