التّفسير
جانب من جهاد نوح:
الآيات أعلاه بداية لبيان قسم من تأريخ الأنبياء وقصص وحوادث الأُمم الماضية لتوعية وإِيقاظ المشركين والفئات المخالفة ،فيأمر الله نبيّه أن يتابع حديثه السابق مع المشركين بشرح تأريخ الماضين ليكون عبرة لهم .
في البداية تطرقت إِلى قصّة نوح ،فقالت: ( واتل عليهم نبأ نوح إِذا قال لقومه يا قوم إِن كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت ) ولهذا فإِنّي لا أخاف غيره .
ثمّ تضيف: ( فاجمعوا أمركم وشركاءكم ) أي ادعوا أصنامكم أيضاً لتعينكم في المشورة ،حتى لا يبقى شيء خافياً على أحد ولا يتعرض منكم الى الهم والغم أحد ( ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ) بل اتّخذوا قراركم في شأني بكل وضوح .
«غمّة » من مادة غم ،وهي تعني خفاء الشيء وتغطيته ،وإِنّما يقولون للحزن: غمّ أيضاً لأنّه يغطي قلب الإِنسان .
ثمّ يقول: ( ثمّ اقضوا إِليّ ولا تنظرون ){[1742]} .
إِنّ نوحاً رسول الله الكبير صمد مقابل أعداءه الأقوياء المعاندين وواجههم بقاطعية وحزم وفي منتهى الشجاعة والشهامة مع أصحابه القليلين الذين كانوا معه ،وكان يستهزئ بقواهم ويريهم عدم اهتمامه بخططهم وأفكارهم وأصنامهم ،وبهذه الطريقة كان يوجه ضربة نفسية عنيفة إِلى أفكارهم .
وإِذا علمنا أنّ هذه الآيات نزلت في مكّة في الوقت الذي كان يعيش فيه النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ظروفاً تشبه ظروف نوح ،وكان المؤمنون قلّة ،سيتّضح أنّ القرآن يريد أن يعطي للنّبيأيضاًنفس هذا الدرس بأنّ لا يهتم بقدرة العدو ،بل يسير ويتقدم بكل حزم وجرأة وشجاعة ،لأنّ الله يسنده وينصره ،ولا تستطيع أية قوّة أن تقف في مقابل قدرته .
ومع أنّ بعض المفسّرين اعتبر تعبير نوح هذا أو أمثاله في تاريخ سائر الأنبياء نوعاً من الإِعجاز ،لأنّهم مع عدم امتلاكهم الإِمكانيات الظاهرية فإِنّهم كانوا يهدّدون العدو بالهزيمة ،وأعلنوا خبر انتصارهم النهائي ،وهذا لا يمكن قبوله إلاّ عن طريق الإِعجاز ،إلاّ أنّ هذا على كل حال درس كبير لكل القادة الإِسلاميين بأن لا يخافوا ولا ينهاروا أمام عظمة الأعداء وكثرتهم ،بل إِنّهم باتكالهم على الله كانوا يدعون هؤلاء إِلى الميدان بكل حزم واقتدار ويستصغرون قوتهم ،فكان هذا عاملا مهمّاً في تقوية معنويات الأتباع والمؤيدين ،وتدمير معنويات العدو وانهيارها .