{ وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} .
أي ما نزل بهم لم يكن ظلما ، بل كان عدلا ؛ لأنه لا يستوي المحسن والمسيء ، والأعمى والبصير ، ولا الظلمات والنور ، ولا الظل والحرور ، فهو جزاء عمل ، وجزاء العمل من جنسه ، ولكن ظلموا أنفسهم بإضلالهم بالشرك ، وانسياقهم في طريق الفساد ، ومعاندتها للحق واضطهادها لأهلهم ، وإشاعتها للضلال ، وخضوعها للأوهام بدل العقل المدرك المستقيم .
وإنهم إذا تردوا في هذا الهلاك الذي نزل بهم منعا لاستمرار فسادهم ، وطغيانهم ، ومحاربتهم – بدا لهم عيانا بيانا أن الآلهة التي اتخذوها من الحجارة أو غيرها ، لا تدفع عنهم ضرا ، ولا تجلب لهم نفعا ، ولا تحميهم مما نزل بهم ، ولذا قال تعالت حكمته:{ فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء} ،{ من} هنا لاستغراق النفي ،أي ما أغنت عنهم الآلهة التي زعموها مضادة لله تعالى أي شيء من الغناء .
وأضاف كلمة آلهة إليهم ، لبيان أنها ليست آلهة في ذاتها ، وهي عاجزة كل العجز ، إنما هي آلهة في زعمهم ، وأوهامهم التي أضلتهم ، وسارت في ضلال بعيد .
إن هذه الآلهة أخزتهم ، ولم تفدهم ؛ لأنهم ساروا في الضلال إلى أقصى الغاية بل إنهم{ لما جاء أمر ربك} بالإهلاك ، وهو خالقكم والقائم على وجودكم لم يستطيعوا دفعا للضرر ، ولا جلبا لنفع{ وما زادوهم غير تتبيب} التباب الهلاك والتتبيب الإهلاك الشديد الذي يتضاعف في ذاته ، أي ما زادوكم إلا هلاكا متضاعفا ، والهلاك ليس زيادة في ذاته وإنما الزيادة هي زيادة الضرر .
والتعبير بضمير جمع العقلاء ، وليست الحجارة عاقلة إنما هو تهكم بهم ، وبنظرهم الذي يعبد حجارة ، ويرجو نفعها ، وقوله تعالى:{ غير تتبيب} أي هلاك متضاعف متكرر .
وإن الله تعالى قدر العذاب وأنزله فكيف تزيد الحجارة فيما قدر الله وهي لا تملك من الأمر شيئا ؟ والجواب عن ذاك أنه تصوير لحالهم مع هذه الحجارة ، إذ إنهم استمروا في عبادتها لا ينون بل يجادلون ، ويعاندون حتى جاءهم العذاب الأليم ، وكلما زادوا عنادا كان العذاب على قدره ، وعنادهم المتزايد ، وعقابهم عليه المتضاعف ، كله في تقدير الله العزيز الحكيم ، والله حكيم عليم .
إن هذا سنة الله تعالى في خلقه العصاة ، ولذا قال تعالت كلماته: