{ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون 16} .
أولئك غرضهم الزينة والتفاخر كما قال تعالى:{ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته . . .20}( الحديد ) .
هؤلاء نالوا متعتهم ولم يعملوا لآخرتهم فليس لهمفيها إلا النار يصطلونها ؛ لأن طالب الدنيا وحدها لا يناله إلا الشر فهو يعتدي ولا يعرف حق غيره ، ويكفر بالله ويعبد الأوثان ، فهو لا يؤمن إلا بما يلمسه بين يديه وكل ذلك إلى النار ، وإن طلب المتعة الدنيوية ذاتها أو طلب زينتها لا يؤدي إلىا النار ، إنما الذي يؤدي إلى النار هو ما يقترن بطلب الدنيا وزخارفها من عدم الوقوف عند حد مباح من الطيبات ، بل يكون الاعتداء والتطاول والشرك وإن هذا مآله النار ، وقد قال تعالى:{ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب20} ( الشورى )وفي قوله تعالى:{ وحبط ما صنعوا فيها} أي فسد ما صنعوا .
والحبط أن يكون فساد العمل أو الشيء من ذاته وليس من أمر خارج منه ، ويقول الراغب الأصفهاني في مفرداته ، أصل الحبط من الحبط وهو أن تأكل الدابة حتى تنتفخ بطنها .
والحبط فساد الأمر من ذاته لا من أثر خارج عنه كما أشرنا ، وقد قال الراغب رضي الله عنه في المفردات أيضا:"حبط العمل عن ثلاثة أضرب:
أحدها:أن تكون الأعمال دنيوية لا تغني في القيامة عنا كما قال تعالى:
{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا 23}( الفرقان ) .
والثاني:أن تكون أعمالا أخروية في ظاهرها لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى ، فإنه يؤتى بصاحبها يوم القيامة فيؤمر به إلى النار .
والثالث:أن تكون أعمالا صالحة ولكن بإزائها سيئات وهو ما يشار إليه بخفة الميزان .
وإن أولئك الذين قال فيهم سبحانه:{ وحبط ما صنعوا فيها} هم الذين ما نظروا إلا إلى الدنيا وزينتها ولم يكفروا في الآخرة ؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث ولقاء الله تعالى ، وما كانوا يصنعون المعروف إلا للرياء والسمعة فكانوا مشركين .
وقوله تعالى:{ ما صنعوا} يفيد صنائع المعروف التي حبطت لأنهم لم تكن لهم فيه نيات حسنة ، والأعمال في ثوابها بالنيات ومقاصد الخير ولم تكن لهم نيات صالحة . وحتم سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله تعالى:{ وباطل ما كانوا يعملون} أي كل عمل عملوا قد صار باطلا ، كقوله تعالى:{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا 23} ( الفرقان ) ذلك أن قلوبهم قد فسدت بالشرك فلم يكن لهم خير يحمدون عليه .
أهل الحق وأهل الباطل
قال تعالى: