/خ15
المفردات:
وحبط: أي: فسد وبطل ولم ينتفعوا به .
التفسير:
16{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .
جاء في تفسير أبي السعود:
"أي: أولئك المريدون للحياة الدنيا وزينتها ،الموفون فيها ثمرات أعمالهم من غير بخس ".
{الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} ؛لأن هممهم كانت مصروفة إلى الدنيا ،وأعمالهم مقصورة على تحصيلها ،وقد اجتنبوا ثمراتها ،ولم يكونوا يريدون بها شيئا آخر ؛فلا جرم لم يكن لهم في الآخرة إلا النار وعذابها المخلد27 .
{وحبط ما صنعوا فيها} وفسد ما صنعوه في الدنيا من أعمال الخير ؛لأنهم لم يقصدوا بها وجه الله تعالى ،وإنما الرياء ورضى الناس .
{وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .وبطل ثواب عملهم في الآخرة ؛لأنهم لم يريدوا وجه الله تعالى ،والعمدة في الثواب الأخروي هو الإخلاص لله عز وجل ونظير الآيتين في المعنى قوله تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} .( الشورى: 20 )
وقوله عز شأنه:{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} ( الإسراء: 18 19 ) .
وقريب من هذا المعنى قوله سبحانه:{فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .( البقرة: 200202 ) ..
وقد ذهب بعض المفسرين: إلى أن المراد بالآيتين: الكفار والمنافقين ومن على شاكلتهم .
وذهب كثير من المفسرين: إلى أن هاتين الآيتين وأمثالهما ،معانيها مطلقه تشمل الكافر والمؤمن ؛وقد وردت أحاديث صحيحة تحذر من الرياء والنفاق ،وتدعو إلى إخلاص العمل لوجه الله تعالى ،فمن قصد بعمله وجه الله تعالى ؛لقي الجزاء في الدنيا والآخرة ،ومن قصد بعمله الرياء ؛لقي الجزاء في الدنيا وحدها ،ولم يجد جزاء في الآخرة .
من هدى السنة
روى البخاري ومسلم: عن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات ،وإنما لكل امرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ؛فهجرته إلى الله ورسوله ،ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) . 28
وفي الحديث الشريف: ( إن أول من يلقى في النار يوم القيامة عالم ،ومتصدق ،وشهيد ،يقول العالم: يا رب ،علّمت الناس آناء الليل وأطراف النهار ؛فيقال له: إنما علمت ؛ليقال عالم ،أما وقد قيل ذلك ،اذهبوا به إلى النار ،ويقول المتصدق: يا رب ،تصدقت بالمال آناء الليل وأطراف النهار ؛فيقول له الله تعالى: أما إنك تصدقت ؛ليقال كريم أما وقد قيل ذلك ،اذهبوا به إلى النار ،ويقول الشهيد: يا رب ،قاتلت في سبيلك حتى قتلت ؛فيقول له الله تعالى: أما إنك قاتلت ليقال شجاع ،أما وقد قيل ذلك ،اذهبوا به إلى النار .ثم يقول الله تعالى: أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ،من عمل عملا يقصد به غيري ؛فليلق جزاءه من ذلك الغير ) .
وهذه الآيات والأحاديث تحث على إخلاص العمل خصوصا العبادات والقربات ،والبعد عن الرياء ؛فالمذموم هو التظاهر بالعمل للآخر ،بينما هو في نيته العمل للدنيا وحدها .
( والإسلام يدعو إلى إيثار العمل للآخرة على عمل الدنيا في النية والقصد ،فإن قصد الدنيا والآخرة معا ،كان ذلك مقبولا شرعا ) . 29
وليس أحد يعمل حسنة إلا وفي ثوابها ؛فإن كان مسلما مخلصا ؛وفّى ثوابها في الدنيا والآخرة ،وإن كان كافرا وفّى ثوابها في الدنيا ) . 30