إجابة الرسل على اعتراض المشركين:
{ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 11 )} .
اعترض المشركون بأنهم بشر مثلهم ، وبأنهم لم يأتوا بسلطان يثبت الرسالة ، ولقد سلموا لهم الأمر الأول مؤكدين تسليمهم ، قالوا:{ إن نحن إلا بشر مثلكم} أكدوه بأن قصروا أنفسهم على البشرية لا يعدونها ، ولكن المشركين بنوا على المثلية بطلان دعواهم فلم يسلموا لهم ذلك ، أي أنهم سلموا لهم بالمقدمة ولم يسلموا لهم بالنتيجة ؛ لأنه لا تلازم بين التماثل بينهم وبين غيرهم في البشرية ومنع الرسالة ؛ ولذا قال:{ ولكن الله يمن على من يشاء من عباده} ، فالاستدراك استدراك من النتيجة التي رتبوها في زعمهم وقد عدوا هذه النبوة منا من الله تعالى على الذين اختارهم من صفوة عباده سبحانه وتعالى:{. . .الله أعلم حيث يجعل رسالته . . .( 124 )} [ الأنعام] ، وقد قالوا:إنه من الله تواضعا ، وتبرئة لأنفسهم من أن يعتقدوا أن لهم فضلا على الناس إلا ما اختصهم الله تعالى به من الرسالة منا وفضلا ، وما كان ذلك إلا لحكمة قدرها ، أو كان فيهم بإرادة الله ، فهو أوجد فيهم من المزايا ما يجعلهم أكثر من البشرية المطلقة التي يتصف بها العاصي والطائع ، والرسول ومن أرسل إليهم .
أما كلامهم الثاني في أمر المعجزة فقد طلبوا نعتا ولجاجة معجزة اختاروها ، وأعلنوا أن لن يؤمنوا إلا إذا جاءتهم هذه الآية ، كما فعلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ردوا زعمهم هذا بقولهم:{ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله} ، أي ما ساغ لنا ولا جاز أن نأتيكم بآية غير ما جئنا به إلا بإذن الله تعالى ، فهو الذي من علينا من بين عباده بالنبوة ، وهو الذي اختار لنا الآية الدالة على رسالتنا كشأن كل رسالة من غائب لحاضر ، أن الغائب هو الذي يختار الإشارة الدالة على أنه مبعوث من قبله ، وقد اختار ذلك السلطان ، فلا مناص لنا منه إلا أن يمن علينا بسلطان غير ما أعطانا ، وإذا كنتم مستمرين على معارضتكم ، ومقاومتكم ، وإعناتكم وإيذائكم ، فنحن قد بلغنا وفي سبيل البلاغ لا حامي لنا إلا الله تعالى ؛ ولذا قالوا:{. . .على الله توكلنا . . .( 89 )} [ الأعراف] ، أي إذا كنتم تعتمدون في معاندتكم وإعانتكم على قوة لكم تحسبونها ، فنحن متوكلون على الله يحمينا من إيذائكم ، وقدم الجار والمجرور{. . .على الله توكلنا . . .( 89 )} ؛ لبيان أنهم لا يعتمدون إلا عليه ، وأنه فوق كل الأقوياء ، وأمروا المؤمنين الذين يؤذيهم المشركون ويسخرون منهم بأن يتوكلوا على الله ، ويصبروا فإنه لا محالة ينجيهم من إيذائهم وستكون كلمة الله هي العليا ، وهو العزيز ، ولذا قال تعالى:{ وعلى الله فليتوكل المؤمنون} ، وقدم الجار والمجرور للدلالة على أنه لا يعتمد إلا عليه سبحانه ، و ( الفاء ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والمعنى إذا كنا معشر الرسل قد توكلنا على الله وحده فليتوكل المؤمنون على الله وحده ، ويتضمن ذلك طلبين:أحدهما الصبر على أذى المشركين ، والثاني:الاعتماد على الله وحده ، وأنه سبحانه وتعالى ناصر الرسل ومن اتبعوهم غير خاذلهم ولا ممكن لمشرك منهم .