الكفر كله ملة واحدة
إن حقيقة الكفر واحدة ، وإن تعددت الأجناس والأنواع واختلفت الألوان فالإنسان هو الإنسان لا تختلف حقيقته ، وإن اختلفت الصور ، فالمؤمن حقيقته واحدة ، وإن اختلفت الأزمان ، والكفر ملة واحدة ، وإن اختلفت الأقوام ، فما تراه في مشركي مكة يرى في غيرهم ممن مضوا .
ولقد قال مسليا نبيه:{ ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين ( 10 )} هنا اسم مفعول محذوف دلت عليه كلمة أرسلنا رسلا من قبلك ، وقد كان لهم ما يكون لك من الذين يعتقدون اعتقادا باطلا ، ويستمسكون به ويكونون فرقا وشيعا يتشيعون لها ، فقوله في{ شيع الأولين} ، أي في جماعات متشيعة لفكرة واحدة ، يتعصبون لها ولا يخرجون عنها ، وأصل الشيعة من الشياع ، وقد قال البيضاوي في ذلك:"جمع شيعة ، وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب ، ومن شاعه إذا اتبعت ، وأصله الشياع ، وهو الحطب الصغار توقد به الكبار".
وعبر سبحانه وتعالى بشيع الأولين ؛ للإشارة إلى أنهم لم تكن خالية أذهانهم ، بل كانت مملوءة ، ولكن بزور من الفكر والقول ، يتعصبون له على غير بينة ، ويشيع من غير تفكير ، ويتبعوه خلفا عن سلف ، ويقولون:{. . .بل نتبع ما ألقينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 )} [ البقرة] ، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد عانى من هؤلاء المشركين الذين يتشيعون لأوثانهم ، فقد عانى الرسل قبلك نفس المعاناة من شيع الأولين ، فاصبر يا محمد كما صبروا .