ولذا كانت معجزة القرآن آي من نوع الذكر الدائم الذي يحمل دلائل إعجازه ، ويتحدى الأجيال إلى يوم القيامة ، فقال تعالى:{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ( 9 )} .
أضاف سبحانه وتعالى القرآن العظيم إلى الذات العلية المقدسة فاستفاد بهذه الإضافة شرفا إضافيا فوق شرفه الذاتي الذي جعله الله تعالى كذلك ، واستفاد بهذه الإضافة أيضا أنه نزله بالحق الذي وعد به وقال:{ ما ننزل الملائكة إلا بالحق} ، فما نزله إلا بالحق والأمر الثابت ، وهو أنه باق مادامت الشريعة والرسالة باقيتين ، وإنهما لباقيتان .
وقد ذكرنا في مواضع كثيرة أن معجزة القرآن من نوع الكلام ؛ لأنه ليس حادثة تنتهي بانتهاء زمانها ، بل هو كتاب محفوظ قائم تقرأه الأجيال ، ويتحداها جميعا ، ولقد روينا من قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من نبي إلا أوتى ما مصله آمن عليه البشر ، وكان الذي أوتيته وحيا ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".
وقد تعهد الله العلي الكبير بحفظه ليخاطب الأجيال إلى يوم القيامة ، فقال:{ وإنا له لحافظون} أضاف الحفيظ إليه سبحانه ، فكان ذلك تمكينا وتوكيدا .
وقد حفظه الله تعالى كما وعد من التغيير والتبديل والتحريف والتصحيف فأوجب حفظه مرتلا ، كما قال تعالى:{. . .ورتلناه ترتيلا ( 32 )} [ الفرقان] ، وقال تعالى:{. . .ورتل القرآن ترتيلا ( 4 )} [ المزمل] . وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم صحابته ترتيله ، وعلموه من بعدهم ، واقتضى ذلك أن يعتمد في حفظ القرآن على الصدور ، ولا يكون الاعتماد على السطور وحدها ؛ لأنه يمكن فيها التغيير والتبديل ، والصدور تمنع ذلك ، ولا تزال تطلع على طائفة من اليهود ، تريد أن تجعله كغيره من الكتب ، فيبين حفظة القرآن الكريم إفساد فعلهم الدنئ .
وحفظت شريعته من التغيير والتبديل ، فهي قائمة وإن حاول بعض المنافقين الذين يدهنون للحكام تحريفها عن مواضعها بتحليل ما حرم الله ، والله من ورائهم محيط .