بدائع الخلق والتكوين
بعد أن ذكر سبحانه حال الجحود الذي استمكن في قلوب المشركين حتى صاروا بحال يكذبون لها حسهم ، وأنهم إذ كذبوا القرآن عنادا وجحودا ، فإنهم يكذبون كل شيء مهما يكن مرئيا رأى العين ، حتى إنهم لا يقتنعون بما يراه حسهم ، فلو عرجوا إلى السماء لأنكروا وقالوا:إن أعيننا سكرت ، وصرنا حيارى كالسكارى ، وإن محمدا خيل إلينا ما لم نره .
بعد هذا أخذ يبين – سبحانه – عجائب التكوين في خلقه ، حتى إن هذه المخلوقات تعلن بالبداهة عن منشئ الكون ، وأنهم إذ ضلوا عن هذا ، فإن شيئا لا يقنعهم من بعد هذا الضلال .
قال تعالى:{ ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين ( 16 )} ،{ وجعلنا} بمعنى صيرناها بعد أن أنشأناها وأبدعناها على غير مثال سبق ، و ( البروج ) جمع برج ، وهو القصر ، والمنزل ، والبروج هنا منازل النجوم ، أي أن كل نجم في منزله الذي أحله الله تعالى فيه ، وارتبط بغيره عبر هذا الوجود ، بحيث يكون كل نجم في مكانه ومداره لا يحول عنه ولا يحور ، وكأنها مبينة بناء محكما لا فروج فيها{. . .وما لها من فروج ( 6 )} [ ق] فالارتباط بينها ثابت بما يسمونه الجاذبية التي تشد بعضها ببعض ، كما قال تعالى:{ ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين ( 16 )} ، أي أنها في منظرها وإحكامها زينة في ذاتها ، وجعلها الله تعالى بهجة للأعين ، كما قال في آية أخرى ،{ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين . . .( 5 )} [ الملك] ، وكما قال تعالى في سورة "ق":{ أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ( 6 )} [ ق] .