/م16
قوله تعالى: ( ولقد جعلنا في السماء بروجاً ) .
«البروج »: جمع «برج » ويعني «الظهور » ،ولهذا يطلق على البيت الذي يبنى في سور المدينة أو على سور الحصن الذي يعتصم به المقاتلون ،وذلك لما له من بروز وارتفاع خاص .ويقال كذلك ( تبرجت ) للمرأة التي تظهر زينتها .
والبروج السماوية: هي منازل الشمس والقمر .وبعبارة أقرب إلى الذهن: لو نظرنا إلى الشمس والقمر بإِمعان فسنراها في كل فصل من فصول السنة ولفترة زمنية معينة يقابلان أحد الصور الفلكية ( الصور الفلكية: مجموعة نجوم على هيئة خاصة ) فنقول: إنّ الشمس في برج الحمل{[2021]}مثلاأو الثور أو الميزان أو العقرب أو القوس .
ويعتبر وجود الأبراج السماوية ،وكذلك النظام الدقيق في حركة منازل الشمس والقمر ضمن هذه البروج ( وهو التقويم المجسِّم لعالم وجودنا ) ،يعتبر من الأدلة الواضحة على علم وقدرة الخالق جل وعلا .
إِنّ هذا النظام العجيب بما يحمل من دقة في حساب تشكيله يكشف لنا وجود هدف لخلق هذا العالم ،وكلما أمعنا النظر في خلق اللّه ازددنا مقربة من معرفة الخالق الجليل .
ثمّ يضيف: ( زيّناها للناظرين ){[2022]} .
انظروا لإحدى الليالي المظلمة ذات النجوم الكثيرة فسترون مجموعات نجمية ائتلفت فيما بينها في كل زاوية من زوايا السماء ،وكأنّها حلقات تنظيمية تتجاذب أطراف الحديث ،وترى تلك كأنّها ترمقنا شابحة ،وأُخرى تغمزنا باستمرار وكأنّها تدعونا إِليها ،ويُخال من بعضها وكأنّها تقترب منّا لشدة تلألئها ،وتلك التي تنادينا بخافت ضوئها وينطق لسان حالها من أعماق السماء وجوفها المتباعد ..إنّني هنا !
هذه اللوحة الشاعرية الرائعة ربّما ألِفَها البعض على أنّها عادية نتيجةً لتكرار المشاهدة ،ومع ذلك فلها جذبٌ خاص وهي جديرة بالتأمل .
وحينما يبزغ القمر ( وبأشكاله المختلفة ) وسط تلك المجاميع ،يضيف إلى سحرها وجمالها رونقاً جديداً .
وتراها خجلةً ،لا تقوى على أن ترفع رأسها إِلاّ بعد غروب الشمس ،فتتلألأ الواحدة تلو الأخرى ،وكأنّهن يخرجن على استحياء من خلف ستار ..وما إِن يحل الطلوع حتى نراها تفر فراراً لَتختفي .
ومضافاً إلى ذلك فإنّ لها من الجمالية العلمية والأسرار المخفية ما لا يصدق ،ويكفيك لجماليتها أنّها جعلت أنظار العلماء تشخص إِليها منذ آلاف السنين حتى زماننا الذي ما توصل العلماء إلى صناعة المرقبات ( التلسكوبات ) ،إِلاّ للوصول لاكتشاف أسرار جديدة عن هذا العالم الدائب الملتهب رغم صمته .
/خ18