وقد خص الغفران والرحمة بيوم لا يجدى فيه غير غفران الله تعالى ورحمته ، ولذا قال:
{ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ( 111 )} .
يوم منصوب على الظرفية ، للوصفين السابقين ، أي إن ربك غفور رحيم ، في هذا اليوم الذي يحاسب كل إنسان على ما قدم في الدنيا من عمل ، وكل إنسان عن نفسه ؛ ولذا قال تعالى:{ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} ، أي تدافع كل نفس أو تبين كل نفس ، والمجادلة:المحاجة ، أي تحتاج كل نفس عن نفسها فيما نسب إليها فتحاج كل نفس بنفسها عن نفسها فلا يكون معها ولي ولا شفيع ، ولا نصير ، ولا فدية ولا عدل ، بل تكون هي المسئولة عما فعلت وارتكبت ، وأعمالها محصية ثابتة ، كما جاء في قوله تعالى:{ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 ) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( 14 )} [ الإسراء] .
وقوله تعالى:{ تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} ، أي يحضر الأنفس ، وتسأل عما قدمت ، وتنطق عليهم أيديهم وألسنتهم ، فالحساب تكون أدلته مهيأة ثابتة ، ولا يكون إلا الحكم ، والحكم لله الواحد القهار فلا نقص لحكمه .
{ وتوفى كل نفس ما عملت} ، والمراد جزاء ما عملت ، ولكن لأن الجزاء عدل وفاق للعمل ، ويساويه تمام المساواة عبر بالعمل بدل الجزاء ، إذ هي شيء واحد ، أو متساويان تساويا مطلقا ، وأكد الله سبحانه المساواة والوفاق بين العمل وجزائه فقال ،{ وهم لا يظلمون} ، أي لا ينقص من معملهم شيء ، فلا يظلم ؛ لأن الحاكم هو الله ، وهو خير الفاصلين .