وإنه من ثمرة هذه الخصال الكريمة ، وأنه هو الذي وفي ، وأتى بكل الطاعات أتاه الله تعالى خير الدنيا والآخرة .
فقال تعالى:{ وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( 122 )} .
الحسنة هي النعمة التي تحسن فيها أمور الدنيا من حياة فاضلة هي الخير كله ، وقد أعطى الله تعالى إبراهيم تلك الحياة الحسنة الطيبة فرزقه الولد ، بعد حرمان طويل ، ولم يهبه إلا على الكبر ، كما قال:{ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق . . .( 39 )} [ إسحاق] ، وشكر النعمة ، واختبر بالفداء بذبح ولده فقبل راضيا ، ثم فداه رب العالمين بذبح عظيم ووفقه في بناء الكعبة وأمده بعمر طويل كله في الخير وعمل الصالحات ، و "خير الناس من طال عمره وحسن عمله"{[1400]} ، وجعله أبا الأنبياء وشعر بذلك في حياته فقد كانوا من أولاده ، وقد نالوا منزلة النبوة فكان إسماعيل من ذريته النبي الهاشمي الأمي ، ومن ذرية إسحاق كان أنبياء بني إسرائيل ، وجعل الله له كما طلب{. . .لسان صدق في الآخرين ( 84 )} [ الشعراء] ، فكان كل أهل الديانات يتولونه ، ويعتزون بالنسب إليه وأنه مع النعم التي أنعمها سبحانه وتعالى عليه كان شاكرا لأنعمه .
ولذلك حسنت حياته فقال تعالى:{ وإنه في الآخرة لمن الصالحين} ذكر ذلك الكريم الحنان المنان على أنه خبر لا إيتاء وكأنه نتيجة لما كان منه في الدنيا ولم يذكر أنه عطاء من الله تعالى ، وإن الله له المن والفضل ، ولم يذكر ذلك ليبين سبحانه تعالى أنه الله تعالى يعطى الناس على قدر شكرهم:{. . .لئن شكرتم لأزيدنكم . . .( 7 )} [ إبراهيم] ، وأن خير الآخرة ثمرة عمل الدنيا وكله بفضل الله وعطائه{. . .وعله فليتوكل المتوكلون ( 67 )} [ يوسف] .
وقد أكد أنه في الآخرة من الصالحين بالجملة الاسمية ، وإن المؤكدة ولام التوكيد ، وأنه في صف الصالحين ، والصالحون في الآخرة هم المقربون الذين يفوزون بنعيم الجنة وينظر إليهم ويرضى عنهم ورضوان من الله أكبر .