وقد أكد سبحانه هذا المعنى السامي فقال:
{ فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ( 34 )} .
الفاء فيها بيان ترتيب الإساءة على ما ارتكبوا من سيئات ، فهي تبين كيف ظلموا أنفسهم ، فقال:{ فأصابهم سيئات ما عملوا} ، أي فأصابهم جزاء سيئات ما عملوا ، فالكلام على تقدير مضاف ، وفي هذا التفسير بيان لأنهم ظلموا أنفسهم بأن تسببوا في العذاب الذي نزل ، فكانوا به ظالمين لأنفسهم ، وحذف المضاف مع بقاء المضاف إليه للإشارة إلى الجزاء كالسيئات تماما ، حتى كأنه هو .
وإن السيئات تترادف يجئ بعضها تلو بعض ، حتى تتراكم فيظلم القلب وحينئذ تفسد كل أسباب الإدراك وتكون قلوبهم غلفا ، ويتوالى منهم الفساد ، فيكون ذلك سببا في أن ينزل بهم عذاب الله ، ويكونون ظالمين لأنفسهم .
وقوله تعالى:{ سيئات ما عملوا} فيه إشارة إلى أن الله لا يأخذهم إلا بالسيئات ، وهي ما يسوء في ذات من الأفعال ، وما يسوء الناس ، وما يصدهم عن الحق المبين .
{ وحاق بهم} ، أي أحاط بقلوبهم عملهم الشيء ، حتى أصبحوا لا يدورون إلا في فلكه ، واستعمال ( حاق ) بمعنى أحاط لا يكون إلا في السوء ، فالحيق لا يكون إلا في إحاطة الشر .
وقوله تعالى:{ ما كانوا به يستهزءون} ، أي أحاط بهم القول الذي كانوا به يستهزئون ، أي جزاؤه وحذف المضاف للإشارة إلى المساواة بين الجزاء والفعل كأنه هو .
ويصح أن نقول إن المراد ، أن يحيط بهم الاستهزاء نفسه تقريعا ولوما ، وإشعارا لهم بأنهم المستهزئون المحقرون ، ومن كانوا موضع استهزائهم السخيف هم الأكرمون عند الله .