تفكير المشركين
جاءتهم المعجزة الكبرى التي تتحدى الأجيال كلها ، وتحداهم الله تعالى بها أن يأتوا بسورة من مصله فعجزوا ، فطلبوا معجزات حسية كمعجزات الأنبياء السابقين ، فجاءتهم ، انشق القمر ، فقالوا:سحر مستمر ، أي أعينهم سحرت فتبين كذبهم ، لأن المسافرين رأوه كذلك ، وجاءهم بالإسراء من مكة إلى المسجد الأقصى ، وذكر لهم الأمارات الدالة .
أتى لهم بالمعجزة الكبرى ، وهي التي تتناسب مع خلود شريعته ، إذ يبقى صامدا يقارع الزمان والأقوام ويقيم لهم على أنه من عند الله ، ولكنهم أرادوا آية مادية ، فجاءتهم الآية تلو الآية ، ومع ذلك لم يؤمنوا ؛ ولذلك قال تعالى:
{ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك} .
لقد طلبوا أن يكون معه ملك ، فقال تعالى:{ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ( 9 )} [ الأنعام] ،{ أو يأتي أمر ربك} ، أي العذاب المستأصل ، كما نزل بقوم لوط ، وعاد وثمود ، وفرعون ، وقد ذكر أنه فعل ذلك بالذين من قبلهم وأنهم طلبوه فأجيبوا ، فقال:{ كذلك فعل الذين من قبلهم} أنهم استهانوا ، وكابروا ، ولجوا في إنكارهم ، وطلبوا استعجال أمر الله فيهم فعجل ، ولكنه لم يفعل ذلك مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو لم يرسل لجيل يستأصله إذا لم يؤمن ، بل أرسل للأجيال فإذا كفر جيل ، كان رجاء الإيمان في جيل يليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم في قومه – وقد آذوه - ، وبين الله تعالى على لسان الملائكة أنه ينزل بهم ما يريد ، فقال خاتم النبيين:"إني لأرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله"{[1381]} .
وقوله:{ هل ينظرون} الاستفهام فيه للإنكار ، وهو وصف لحالهم في كفرهم بالآيات ، أي حالهم أنهم لا ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتيهم أمر الله .
وقد بين الله أن أمره نزل بمن سبقوهم مصل قوم نوح ، وعاد وثمود ، وأصحاب الأيكة ، وفرعون ذي الأوتاد أن ذلك لم يكن ظلم من الله لهم ، بل كان ظلما من أنفسهم لأنفسهم ، فقال عز من قائل:
{ وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} .
إن المذنب إذا نزل به عقاب ذنبه لا يقال إن من أنزل به العقاب هو الذي ظلم ، إنما الظالم هو من ارتكب سبب العقاب فهؤلاء بارتكابهم سبب العذاب الذي جاء بأمر الله أنفسهم ، وهنا أمران بيانيان نشير إليهما:
الأمر الأول – التعبير ب{ كانوا} فهو دال على استمرارهم في أسباب ظلم أنفسهم من إنكار وجحود ومكابرة .
الأمر الثاني – تقديم كلمة{ أنفسهم} ،{ يظلمون} للإشارة إلى أن ما ارتكبوا من آثام كان يقع على أنفسهم ، لا على غيرهم وللاهتمام والتخصيص .