وإذا كان سبحانه قد بين كيف يستقبل المستكبرون عندما تتوفاهم الملائكة ، فقد بين أيضا ما يستقبل المخلصون ، فقال:
{ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( 32 )} .
ولقد وصف الله سبحانه وتعالى المستكبرين بأنهم ظالمون أنفسهم ، وهم في هذه الحال التي أوقعتهم في رجس وفسوق ، فإنه سبحانه قد وصف المتقين بأنهم طيبون ، والطيب ضد الخبيث ، وضد الشرير ، فوصفوا بأنهم طيبون ؛ لأنهم خلصوا من الشرك والظلم والاستكبار ، ولأنهم صالحون في ذات أنفسهم زكية نفوسهم طيبة راضية مرضية ، وطيبة حياتهم من بعد .
والطيبة وصف للنفوس المطمئنة الراضية غير المعتدية الآثمة ، وهو وصف جامع لكل الخلال الباطنة والظاهرة يوصف به كل الذين لا يحملون ضغنا ، ولا يحقدون ، ولا يعتدون ، وينصرفون لذات أنفسهم يصلحونها ، ويراقبونها ، ولا يكون منهم للناس إلا ما فيه مصلحتهم ، و{ طيبين} حال من المفعول ، وقوله تعالى:{ يقولون} في الآية حال من الملائكة ، والمعنى يتوفونهم قائلين لهم:{ سلام عليكم} إيناسا لهم بالتحية ودعوة لهم بالأمن والاطمئنان ، وبث روح الأمان ، وبشرى لهم ، كما قال تعالى:{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( 30 )} [ فصلت] ويقولون مع هذا السلام المؤمن المبشر:{ ادخلوا الجنة بما كنتم تعلمون} الباء باء السببية ، أي لسبب عملكم الذي عملتموه غير مدخرين في سبيل الخير ، وقوله تعالى:{ كنتم تعملون} ، تدل على استمرار العمل ، لأن كان تدل على الماضي مع الدوان في مثل هذا المقام ، كقوله تعالى:{. . .وكان الله عفوا غفورا ( 99 )} [ النساء] ، وقد جمع بين الماضي في ( كان ) والمستقبل في ( تعملون ) ، فكان دالا على استمرار عملهم ، وكان صالحا ، والله تعالى يجزيهم أحست الجزاء .