بعد ذلك بين الله تعالى حالهم بعد البعث فقال:
{ ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون ( 84 )} .
الجملة موصولة بما قبلها ، على جزاء للكفر ، ومعرفة النعم ثم إنكارها ،{ يوم} منصوب لفعل محذوف أي اذكر اليوم ، وذكر اليوم هو ذكر ما يجرى فيه من أحداث وبعث ونشور ، وحساب وعقاب وثواب ، فإذا كانوا ينكرون النعمة ، فليذكروا اليوم وما يجرى به ، وقوله تعالى:{ ويوم نبعث من كل أمة شهيدا} والشهيد هو الرسول الذي بعث لها داعيا إلى الحق معرفا به نذيرا وبشيرا وهاديا إلى الله بإذنه وذكر بعث الرسول ، ولم يذكر بعث الأمة لأن بعث الشهيد الذي يشهد لها أو عليها هو بعث الرسول ، ولم يذكر بعث الأمة لأن بعث الشهيد الذي يشهد لها أو عليها هو بعث للأمة ، فكان بعث الرسول عليه الدلالة صراحة ، وبعث الأمة كان بدلالة الاقتضاء ، أو كان ذكر بعث الرسول صراحة لبيان مقام الرسول عند الله ، ولبيان أن الرسول الذي يدعوكم هو الذي يشهد لكم وعليكم وعندكم يوم الحساب فأجيبوا داعي الله إذ يدعوكم له لتنجوا من عذاب الله تعالى ، وقوله تعالى:{ ثم لا يؤذن للذين كفروا} التعبير ب{ ثم} هنا الدالة على التعقيب والتراخي للدلالة على أنهم بعد شهادة النبيين طلبوا أن يعتذروا ، فلم يؤذن لهم لأنه لا حاجة إلى مخاصمة كما هو شأنهم في الدنيا ، بل إن الله عليهم بهم ، وشهادة أنبيائهم فيهم صادقة غير مكذوبة كما كانوا يتوهمون في الدنيا .
وكما أنهم لا مكننون من القول والمخاصمة ؛ لأن القيامة ليست مثل الدنيا مغالبة بالبيان ، كذلك لا يستعتبون ، أي لا يمكنون من الاستعتاب ، وهو الاسترضاء ، إذ الاستعتاب هو طلب العتب ، وهي الرضا ، فهم لا يمكنون منها ، لأنه قد انتهى وقت التكليف والإرضاء ولم يبق إلا الجزاء .
وفي قوله تعالى:{ لا يؤذن للذين كفروا} فيه إظهار في موضع الإضمار ، وذلك لأن الموصول داء في موضع الضمير ، وذلك للإشارة إلى أن السبب في عدم الإذن لهم بالاعتذار ، وأنهم لا يمكنون من الاستعتاب ، هو كفرهم الذي عاندوا به النبيين وقد قال تعالى في أحوالهم يوم القيامة:
{ وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون ( 85 )} .