وإن بخل البخيل سببه حرصه على المال ، وأنه يضيع إن ذهب ، وإسراف المسرف سببه عدم احترامه لحق المال ، فبين الله تعالى خطأ البخيل في تقديره ، وخطأ المبذر في تبذيره ، فقال تعالى:
{ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( 30 )} .
إن الله سبحانه وتعالى هو مانح من يرزقه ، وهو مقدر الرزق ، وإذا كان الأمر كذلك فلا محل للبخل ؛ لأنه يعطى الرزق فربما يعطى خلفا لما ينفق ولا محل للإسراف ؛ لأن الإسراف ينافي شكر النعمة ، ومعنى يبسط يوسع أي يجعله موسعا مبسوطا ،{ ويقدر} ، أي يجعله محدودا ليس بكثير ، وقد قال في شأن الإنفاق:{ لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله . . .( 7 )} [ الطلاق] .
إن الأرزاق بيد الله يعطي من يشاء عن سعة ، وهو له مختبر ، فإن أنفقها في خير كان شكرا لها ، والله يقول:{. . .لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ( 7 )} [ إبراهيم] وإذا كان كله من الله السعة والفقر ، فإن ذا السعة لا يغتر فيسرف ، أو يبخل ، والذي قدر عليه رزقه فليعلم أنه عطاء الله أعطاه لحكمة أرادها ، والشكر حينئذ هو الرضا بها ، والصبر ، وقد وصف الله تعالى المؤمنين فقال تعالت كلماته:{ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ( 67 )} [ الفرقان] .
وإن ذلك لحكمة أرادها ، فربما يعطى ليظهر طغيان من أعطاه ، أو شكره ، ولذا ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله:{ إنه كان بعباده خبيرا بصيرا} الضمير يعود في ( إنه ) إلى الله العليم علم الخبير الذي أنشأ ، علم من يرى ويبصر ، فهو الذي قدر وأعطى ، وهو الذي قدر وقلل ، وللغنى الشاكر فضله عند الله ، وللفقير الصابر قدره .
وقد صدر الآية الكريمة بقوله سبحانه:{ إن ربك يبسط . . .} فذكر الرب المنشئ القائم على كل شيء الذي يعطى كل إنسان قدره من هذه الحياة ويهديه .