خاطب الله تعالى المشركين مقربا منذرا ، فقال:
{ ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا ( 54 )} .
صدر الكلام بقوله تعالى:{ ربكم} للإشارة إلى أنه الذي خلقهم وربهم ، وهو الحي القيوم الذي قام على حياتهم وشئونهم ، وهو يهدي ؛ لبيان علمه{ ألا يعلم من خلق . . .( 14 )} [ الملك] ،{ أعلم بكم} أي يعلم أنفسكم وأحوالكم ، وما أنتم إليه علما ليس فوقه علم ، وهذا معنى أفعل التفضيل ؛ إذ إنه ليس على بابه ، لأنه لا مفاضلة بين علم الله تعالى وعلم غيره ، والمراد كما أشرنا يعلم علما لا يسامى ولا يناهد .
وإن مع علمه المحيط بحالهم يعمل بمشيئته المطلقة ،{ إن يشأ يرحمكم} ورحمته سبحانه وتعالى بأنه يهديكم إلى السير في طريق الإيمان ، وإذا سرتم فيه رحمكم بالإيمان ، وهو أكبر رحمة للإنسانية ،{ أو إن يشأ يعذبكم} ، بأن تسيروا في طريق الضلالة فتصلوا فيه إلى غايته ، فيكون منكم الضلال والشرك ، فيكون ذلك الضلال عذابا لكم في الدنيا باضطراب نفوسكم وبعدكم عن الفطرة ، وفي الآخرة يكون العذاب الأليم ، ألا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان المشركين ، حتى قال له ربه:{ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ( 3 )} [ الشعراء] ، ولذا قال تعالى:{ وما أرسلناك علهم وكيلا} ، أي موكولا إليك أمورهم بقسرهم على الإيمان ، بل إنا أرسلناك بشيرا ونذيرا ، وقد بشرت وأنذرت فما عليك بعد ذلك تبعة كفرهم وضلالهم:{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ( 56 )} [ القصص] .