دعوة الله الحق
كانت العلاقة بين المشركين والمؤمنين إيذاء مستمرا من جانب المشركين ، وصبرا ومصابرة من المؤمنين حتى اضطروا إلى الهجرة إلى الحبشة مرتين ، وقد أفرط المشركون في أذاهم ، وربما حسب بعض المؤمنين أن ذلك صغار للمؤمنين ، وتفريط في حق الإيمان ، فكان منهم من دعا إلى المقاومة ، وإن المصابرة حسبها استرخاء يغريهم ، وإن من له عصبية لا تسلمه ، وروى أن رجلا من المشركين شتم عمر بن الخطاب ، فهم عمر بأن يقتله وكان على ذلك قديرا ، فأمر الله تعالى نبيه والمؤمنون بأن يصبروا ، وأن يقولوا التي هي أحسن ، فقال تعالى:
{ وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ( 53 )} .
قل يا محمد مطمئنا ومهدئا لعبادي:{ يقولوا التي هي أحسن} ويقولوا:مجزوم في جواب الأمر ، وهو في معنى المعلل لأمر بالقول ، أي قل لهم داعيا إلى الصبر ، وألا يقابلوا الإساءة بمثلها ، ليقولوا التي هي أحسن ، أي الكلمة التي هي أحسن ، والفعلة التي هي أحسن ، وإن رد الإساءة يكون عندما يكون للمسلمين قوى يؤدبون بها المعتدين ، ويحملونهم على الحق وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى ، وكان ذلك قبل الهجرة إلى المدينة كما يدل السياق ، وقد استشرفت النفوس لمعرفة السبب في ذلك الأمر وفي نتيجته ، فهدأ الله هذه النفوس المستشرفة بقوله:{ إن الشيطان ينزع بينهم} ، أي إن الشيطان ينزع بينهم ، أي يهيج الشر بينهم فتكون المخاشنة داعية إلى الجفوة والمهاترة ، والجفوة تبعد النفوس عن الحق أو تزيدها بعدا ، بينما الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة ، والمودة في غير إثم تقرب ، ولا تنفر ، وأكد الله هذا النزغ الشيطاني بقوله تعالى:{ إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} ، أي إن الشيطان كان مستمرا للإنسان عدوا مبينا للعداوة ، ظاهر العداوة وإن حكمة الله تعالى اقتضت كما ذكرنا أن يصبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأذى لأتباعه ، والأذى لشخصه ، حتى تستمر المودة من جانبه موصولة ، فإن المودة تدنى ، وتجعل المؤذى يتردد في استمرار أذاه ، بينما المخاشنة أو المغالبة تجعل للكافر معذرة فيلح في كفره ، وقد كان في المؤمنين من يستطيع المغالبة بشخصه وعشيرته ، ولكن لم يرد الله ؛ حتى لا تضيع دعوة الحق وسط المنافرة فيكون النفور ، وقد