{يَنزَغُ}: يفسد .
مناسبة النزول
كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله ( ص ) بمكة ،فيقولون: يا رسول الله ،ائذن لنا في قتالهم ،فيقول لهم: إنّي لم أؤمر فيهم بشيء ،فأنزل اللهسبحانه{وَقُل لِّعِبَادِى} الآيةعن الكلبي
الكلمة المناسبة في الحوار
كيف تكون الكلمة التي يطلقها الإنسان في الحوار أو التخاطب الاجتماعي ؟هل هي الكلمة التي يوحي بها المزاج ،في لحظة انفعالٍ ،أو نزوةٍ هوى ،أو هي الكلمة التي يخطط لها العقل ،ويحرّكها الإيمان ؟؟
إن للكلمة مدلولها في حسابات الفعل وردّ الفعل ،وأثرها السلبي أو الإيجابي في حركة العلاقات الخاصة والعامة ،وفي إثارة المشاكل أو في حلّها ...وهذا ما يريد القرآن توجيه الإنسان إليه في دراسة الفكرة التي يريد أن يحركها في المجتمع ،ليختار الفكرة الأفضل التي تفتح القلوب على المحبة ،والمشاعر على الرحمة ،والعقول على الخير والحقيقة .ثم يدرس الكلمة الأحسن التي لا تختزن الحساسيات المعقَّدة ،ليقول الكلمة الأحسن في اللفظ والمدلول .ولا بد لهفي ذلكمن دراسة المسألة من جميع جوانبها بطريقةٍ مقارنةٍ ،ليرفض السيِّىء والأسوأ ،ويختار الحسن والأحسن .
اختيار الأحسن تجنباً للتباغض
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} قل لهميا محمدمن موقع الإلزام في مواضعه ،على أساس المصلحة التي تحمل في داخلها الخير الضروري للناس ،ومن موقع النصيحة والاستحباب ،في مواضع الرخصة ،على أساس المصلحة الراجحة التي لا تلزم ،فهذا هو السبيل لتركيز المجتمع في علاقاته العملية ،على أساس الألفة والمحبة والخير والرحمة ،ولإبعاده عن التناحر والاختلاف والتباغض والتحاقد ،لأن الشيطان قد يدخل في خلفيات الكلمة وفي مداليلها ،وفي إيحاءاتها وحساسياتها ،ليثير العداوة والبغضاء بين الناس .{إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} ويفسد علاقاتهم ،ويغري بعضهم ببعض ...فينبغي الحذر منه ،وذلك بالابتعاد عن مداخله وحبائله ووسائله الشيطانية{إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} فهو يحاول الإيحاء له بالكفر والشرك والضلال ،الذي يؤدي به إلى عذاب السعير .
الآية موجهة للناس كافة
وقد ذكر صاحب الميزان: «أن المؤمنين قبل الهجرة ربما كانوا يحاورون المشركين فيغلظون لهم في القول ،ويخاشنونهم بالكلام ،وربما جبهوهم بأنهم أهل النار ،وأنهممعشر المؤمنينأهل الجنة ،ببركةٍ من النبي ( ص ) ،فكان ذلك يهيّج المشركين عليهم ،ويزيد في عداوتهم ،ويبعثهم إلى المبالغة في فتنتهم وتعذيبهم وإيذاء النبي ( ص ) والعناد مع الحق .فأمر اللهسبحانهنبيه ( ص )أن يأمرهم بقول التي هي أحسن » .
ولكن من الملاحظ أن مثل هذا الاستيحاء أو الاستظهار ،لا قرينة عليه من ناحية الآية في مدلولها ،ولا من ناحيةٍ تاريخيةٍ في سلوك المؤمنين مع المشركين .وربما كان استظهاره إرادة المؤمنين من قوله تعالى:{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} ما ينافي ذلك ،لأن السياق يوحي بأن المسألة هي من أجل تنظيم حركة العلاقات بين المؤمنين في طريقة التخاطب والحوار ،وذلك في قوله تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} فإن الضمير راجع لعباده .
وإننا نرى في هذه الآية توجيهاً للناس كافةً باتباع الكلمة التي هي أحسن في الحوار من دون اختصاصٍ بالمؤمنين ،لعدم ظهور كلمة ( عبادي ) في هذا الاختصاص ،بل إن حال الكلمة هي حال «يا أيها الناس » التي يراد من خلالها توجيه الناس جميعاً إلى القواعد العامة التي تنظِّم سلوكهم وحياتهم بشكلٍ عام ،ما يجعل المؤمنين يتحركون من خلال التزامهم بالشريعة ،إلى الالتزام بهذه المبادىء الإلهية الإنسانية في بعدها الإنساني ،الذي يوحي إليهم بالانسجام معها من خلال المسلمين وغيرهم ،ليخاطب المؤمنون بعضهم البعض بالتي هي أحسن ،فيعمّقوا الصلة الروحية الإيمانية بينهم ،وليخاطبوا غيرهم من المشركين والكافرين بهذا الأسلوب ،ليحطموا حواجز العناد والتمرُّد في داخلهم ،ويقودهم إلى أجواء الإيمان من أقرب طريق .