وقد بين الله تعالى ذلك اليوم فقال:
{ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثم إلا قليلا ( 52 )} .
{ يوم} هو جواب للمشركين عن تحديهم{ متى هو} ويكون الخطاب للمشركين ، ويكون قوله تعالى:{ يدعوكم فتستجيبون بحمده} معناه الإشارة إلى أن إعادتهم لا تكون إلا بأمره سبحانه إجابتهم كقوله تعالى:{. . .كن فيكون ( 117 )} [ البقرة] ، فالدعوة لا مجاز فيها ، والاستجابة تكون بالإيجاز كما ذكرنا في الآية الكريمة .
وقالت طائفة من المفسرين وعلى رأسهم الزمخشري:إن هذا كناية عن سرعة الإعادة كما يدعو الداعي فيجيب المدعو فور الدعوة ، والاستجابة هنا معناها الرغبة في الإجابة وطلبها كأنهم كانوا وهم خامدون في قبورهم يتوقعونها ، ولا يستغربونها ، وقوله تعالى:{ بحمده} ، أي حالهم تكون حال الحامد الراغب العالم بقدرة الله تعالى لا حال المستنكر أو المستغرب ، وكأنهم يكونون في حال غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا من كفر وإنكار ، بل هم على حال الإقرار بالله تعالى وأنه وحده المستحق للألوهية سبحانه وتعالى .
{ وتظنون إن لبثتم إلا قليلا} ، أي أنهم يحسبون أنهم مكثوا قليلا في الدنيا على حسب ما قرره قتادة وتبعه الزمخشري ، فاللبث القليل في الدنيا ، وكما قال قتادة تقاصرت مدة الدنيا في نظرهم واعتقدوا أنها متاع وأن الآخرة هي الحياة وأنها أبقى ، وفي ذلك إيمان بما لم يكونوا آمنوا به قبل ، أي أنهم أدركوا الحقائق على وجهها ولكن كان حمدهم وإدراكهم بعد فوات الوقت ، فلم ينفعهم في إبانها ولم ينفعهم حمد ، ولا إيمان .
هذا على أن اللبث القليل في الدنيا ، ولكن نرى كما رأى كثيرون من علماء السلف أن اللبث القليل كان في القبور قبل البعث ، ولقد قال تعالى في ذلك:{ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ( 102 ) يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا ( 103 ) نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثم إلا يوما ( 104 )} [ طه]
ونريد أن نقول كلمة في إعراب قوله:{ وتظنون إن لبثم إلا قليلا} إن ( إن ) نافية أي "ما لبثتم إلا قليلا"ويكون ذلك خبرا ل ( أن ) ، وتقدير الكلام ويظنون أنكم ما لبثتم إلا قليلا ، والآية بينة لا تحتاج في بيانها إلى هذا الإعراب ولكنه تخريج نحوى ذكرناه حيث لم يذكره المعنيون بإعراب القرآن والله أعلم .