قال الله تعالى:
{ ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ( 6 )} .
أكثر المفسرين على أن الخطاب لبني إسرائيل وعلى أمن الكرة التي كروا بها على أعدائهم كانت في عهد داود عليه السلام ، وأن السلطان آل إليهم وتوطد في عهد سليمان عليه السلام ، كما قال تعالى:{ فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ( 36 ) والشياطين كل بناء وغواص ( 37 ) وآخرين مقرنين في الأصفاد ( 38 ) هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ( 39 ) وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( 40 )} [ ص] .
وإن ذلك بلا ريب واضح ولكن مؤداه أن بني إسرائيل تمكنوا في الأرض من بعد انتصار داود على جالوت ولم يكن منهم فساد من بعد ، مع أن النص القرآني أثبت أنهم أفسدوا مرتين فما هو الفساد الثاني ؛ وإذا لم يكن فساد ثان ، أو مرة ثانية فهل تكون الآية غير صادقة ! معاذ الله ، إنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ولذلك نذكر رأيا نميل إليه ، وهو أن قوله تعالى:{ ثم رددنا لكم الكرة عليهم} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون في الكلام التفاوت من خطاب بني إسرائيل إلى خطاب محمد وأصحابه ، ورد الكرة للنبي صلى الله عليه وسلم معناه رد الدولة إليه صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى:{ وأمددنكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا} ، والنفير من ينفر مع الرجل من جند وجيش ، وقد كان محمد وصحبه الأكرمين الأموال من غنائم الحروب والجند الكثيف ، والبنون الذين جاءوا من ذرية المؤمنين .
وقد سوغ لنا أن نقول:في هذا القول أمور:
الأمر الأول:تحقيق الفساد من بني إسرائيل مرتين ، وأنه لا يتحقق الفساد في المرة الثانية إلا بدخولهم المسجد كما دخلوه أول مرة ، وأنهم ما أخرجوا منه في المرة الأخيرة إلا في عهد الرومان .
الأمر الثاني:أن المرة الثانية هي التي دخلوا فيها المسجد مرة ثانية وخربوا ما علوا تخريبا وذلك ما أضفه المسلمون إلى المسجد .
الأمر الثالث:أنه لا يمكن أن يكون المخاطبون اليهود ؛ لأنهم ما ساءت وجوههم بدخول المسجد بل ساء وجوه غيرهم ، وهم الذين يعلمونهم ساسة المسلمين ، وخصوصا ساسة العرب ، وبالأخص ساسة مصر والأردن .
الأمر الرابع:قوله تعالى:{ عسى ربكم أن يرحمكم} لا يمكن أن يكون لليهود إنما يكون للمسلمين لينشطوا من عقال وليرتفعوا بعد عزة ، وليذهبوا المذلة .