محمد يحاول هدايتهم وهم يريدون تحويله
كان محمد صلى الله عليه وسلم محبوبا في قومه يألفونه ، ويكبرونه ويعدونه فيهم خيرهم أمانة وصدق وقوة خلق ، حتى إذا بعث رسولا ، فرق شعور بعضهم بينه وبينهم بسبب الحق الذي جاء به ، وما هم عليه من باطل يستمسكون به ، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان يحب هدايتهم ، أنهم قومه ولأنه داعية الحق يريد أن يؤمن الناس به فهو يحاول أن يستدنيهم ويتمنون بجدع الأنف أن يترك هداية الله إلى ضلالهم ، ولذا قال تعالى:
{ وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لأتخذوك خليلا ( 73 )} .
الكلام موصول لما قبله بالواو ، وإن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، واللام هي اللام الفارقة وهي مؤكدة ، يفتنونك معناها يزيلونك عما أنت عليه أو يصرفونك ، وقال الراغب الأصفهاني إن معناها يوقعنك في الفتنة ، بالنزول على ما يريدون .
وأوضح المعاني أن تكون بمعنى يصرفونك عن الذي أوحينا إليك وهو القرآن الكريم ، بأن تنصرف عن أحكامه وعن شريعته وعن المبادئ المقررة فيها التي تسوى بين الغني والفقير ،{ لتفتري علينا} ، أي لتكذيب على الله وتدعى أنه نزل عليك غيره ، وفي هذه الحال تكون خليلهم وحبيبهم كما كنت ، ولذا قال سبحانه:{ وإذا لأتخذوك خليلا} ، أي إذا كان ذلك منك وتحولت عن الله تعالى إليهم يتخذونك وليا وخليلا ، و ( اللام ) هي الواقعة في جواب ( إذا ) .
ويذكر المفسرون روايات تدل على هذه المحاولة منهم ، فيقولون إن ثقيفا حاولوا أن يستنزلوا من أحكام الإسلام ما يهوون فأرادوا أن يكون الربا حلالا لهم إذا كانوا دائنين وأن يكون حراما إذا كانوا مدينين ، وأن يستمتعوا بعبادة اللات إلى آخر ما ذكروا ، ونقول:إن وفد ثقيف الذي طلب ما طلب كان بعد الهجرة بسنين فهو كلام يحمل في نفسه دليل بطلانه .
وقيل:إنهم منعوه من استلام الحجر الأسود إلا إذا كان معهم فلان ، وهذا أيضا كلام يحمل في نفسه دليل بطلانه ولا يوجد من الصحاح ما يؤيده أو يشير إليه .
ولعل أقرب الروايات في أسباب نزول هذه الآية هو ما ذكر أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يكلمونه ويفخمونه ويسودونه ويقاربونه ؛ فقالوا:إنك تأتى بشيء لا يأتي به أحد من الناس ، وأنت سيدنا ، وما زالوا به حتى يقاربهم في بعض ما يريدون فعصمه الله ، وخير من هذا هو قول أكابر قريش للنبي صلى الله عليه وسلم:اطرد عنا هؤلاء السقاط والموالى حتى نجلس معك ونستمتع منك فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك{[1445]} ، هذه أصح الروايات في محاولاتهم ، ولها شاهد من القرآن الكريم فقد قال تعالى:{ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ( 52 )} [ الأنعام] ، وقوله تعالى:{ وإن كادوا} ذكر محاولتهم ولم يذكر استجابة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ الله أن يستجيب خاتم النبيين ، ولكن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في أن يجذبهم إلى الإسلام ربما كانت سببا في أن يقارب بما دون الاستجابة ، ولذا قال تعالى:
{ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ( 74 )} .