وإن هذه حال أهل اليمين ، أما حال أهل الشمال فقد أشار سبحانه وتعالى إليها بقوله تعالى:
{ ومن كان في هذه أعمى في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ( 72 )} .
العمى هنا هو عدم إدراك النعمة أو عدم شكرها والكفر بها ، ففي الكلام استعارة حيث شبه عمى القلب بعمى البصر بجامع عدم الإدراك في كل ، فمن عمى في الدنيا لا يدرك النعم أو يدركها ولا يشكرها{ فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} ، أي فهو في الآخرة أكثر عمى وأضل سبيلا ، أي أبعد عن إدراك الطريق المستقيم ؛ لأنه في الآخرة قد انتهى وقت العمل وفيها الجزاء ، أو لأن عمى الدنيا قد يعوض بجارحة أخرى كالسمع واللمس ، أما عمى الآخرة فلا يوجد فيه معوض عن البصر ، ولأن عمى الدنيا قد تدركه التوبة ففي الزمان متسع لها ، أما الآخرة فالعمى فيها لا يستدرك بتوبة ، إنما زمن الاستدراك في الحياة الدنيا ، وإن التعبير بالعمى في الدنيا مجازى كما أشرنا وفي الآخرة هو مجازى أيضا ، وقيل:إن كلمة{ أعمى} الثانية هي أفعل تفضيل ويجوز ذلك في عمى القلب ، ولعل ذلك أخذوه من العطف عليها بأضل وهي أفعل تفضيل .
ولقد روى أنه جاء نفر من أهل اليمين إلى ابن عباس فسألوه عن هذه الآية ، فقال اقرأ ما قبلها{ ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر} إلى قوله تعالى:{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ( 70 )} قال ابن عباس:من كان في هذه النعم والآيات التي رأى أعمى ، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا .