{وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} وهو الذي لم ينطلق في حياته من مواقع النور التي جاء بها الكتاب المنزل من قبل الله ،أو التي بشر بها وخطط لها الرسول ( ص ) ودعا إليها الإمام أو المرشد ،بل اتبعفي خطواته العمليةهواه ،وهوى الناس الذين يضلونه من دون الله ،ويخططون له الخطط الفكرية والعملية في اتجاه الضلال ،فكان يتخبّط من زاويةٍ إلى أخرى ،ويصطدم بجدارٍ هنا ،وآخر هناك ،ويتيه في متاهات الأفكار والأوهام التي لا تؤدي به إلى هدفٍ واضحٍ قويمٍ .وهكذا كان مثله مثل الأعمى الذي لا يرتكز في خطواته على وضوح الخط وإشراق الرؤية ،لأن الهوى النفسي لا يمثل الخط الواحد الذي يحدد البداية والنهاية ،بل يمثل الخطوط المتحركة التي تختلف في كل وقتٍ تبعاً للمزاج بين يمين ويسارٍ ومتعرّجات ملتوية ،بينما يمثل الهدى الإلهي والنبويّ والقياديّ الملتزم ،النور الذي يتحرك في الفكر فيبعث فيه الإشراق في الفكرة والوضوح في الرؤية ،ويتحرك في القلب ،فيبعث فيه النور في النبضات والخفقات والمشاعر ،فلا يتصل إلا بمواقع النور الروحية في الحياة ،وينطلق في الحياة فيخطط للطريق ليحدد كل مواقعه في خط البداية والنهاية وعلامات السير ،ويفتح في كل جانبٍ من جوانبه باباً يطل على النور من أوسع الآفاق ،ويشير إلى الخطوات كي تتحرك في مواقع النور حيث الرحابة في الأفق وفي الأرض ...وهكذا تكون المواقع في الدنيا هي التي تحدد المواقع في الآخرة ،فمن كان سائراً في خط الهدى ،فإنه سيسلكفي ساحة الآخرةالطريق الواضح المستقيم الذي يؤدي به إلى الجنة ،ومن كان متخبطاً في عماه الفكري والروحي والعملي في الدنيا ،وسائراً في طريق الضلال ،{فَهُوَ فِي الآخرةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} ،لأنه سوف يجد أمامه النار التي تقوده إلى المصير الأسود ،الذي لا ينتهي إلى أمد معين في نطاق الزمان .