{بِإِمَامِهِمْ}: أي بمن اتبعوه وائتمّوا به .
{فَتِيلاً} ،الفتيل: ما كان في شق النواة .
من هو الإمام ؟
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} إشارة إلى الموقف يوم القيامة ،الذي يواجه الإنسان فيه المسؤولية أمام الله ،وذلك في ما تمثله كلمة الإمام من المضمون الكامن في العنوان الذي يشير إلى طبيعة العمل الإنساني ووجهته في خط المصير .
وقد اختلف المفسرون في تفسير كلمة «الإمام » في الآية في وجوه عديدةكما في مجمع البيان.
الأول: إن المراد به النبيّ ،باعتبار أن كل نبي هو الإمام لأمته ولأتباعه .
الثاني: الكتاب المنزل من الله ،كالتوراة والإنجيل والقرآن والزبور ،باعتبار أن المؤمنين به يتبعونه في أوامره ونواهيه وجميع تعاليمه .
الثالث: الشخص الذي يؤتمّ به من الأئمة والعلماء .
ويجمع هذه الأقوالفي ما ذكره في المجمعما رواه الخاص والعام عن الرضا علي بن موسى ( ع ) بالأسانيد الصحيحة ،أنه روى عن آبائه ( ع ) عن النبي ( ص ) أنه قال فيه: يدعى كل أناس بإمام زمانهم ،وكتاب ربهم ،وسنة نبيهم .وروي عن الصادق ( ع ) أنه قال: ألا تحمدون الله ،إذا كان يوم القيامة فدعا كل قوم إلى من يتولونه ،ودعانا إلى رسول الله ( ص ) ،وفزعتم إلينا ،فإلى أين ترون يذهب بكم ؟إلى الجنة ورب الكعبة .( قالها ثلاثاً ) .
الرابع: إن معناه بكتابهم الذي فيه أعمالهم .
ولعلّ المنصرف إلى الذهن في فهم الآيةلأوّل وهلةهو المعنى الأخير ،بقرينة ما بعده من تفصيل الكلمة من حيث طبيعة الكتاب ومضمونه .ولكننا نعتقد أن الأقوال الثلاثة لا تبتعد عن ذلك من حيث المضمون ،أو من حيث الالتزام والإيحاء ،لأن من الطبيعي أن الأعمال التي يتضمنها الكتاب هي الصورة الملائمة أو المخالفة لتعليمات النبي ،وللكتاب الذي جاء به ،ولكلمات الإمام أو العالم أو المرشد ،باعتبارهم يتحدثون بكلام الله وكلام نبيّه .وعلى ضوء هذا ،فإن مفهوم هذه الفقرة من الآية ،أن الله ينادي كل قومٍ بالرمز الذي كانوا ينتمون إليه ،ويأتمّون به في الحياة ،من نبيٍّ وكتابٍ ومرشدٍ ،في ما يتضمنه من خطوط وتعاليم وإرشادات ،ليكون ذلك حجّةً لهم أو عليهم ،في ما يشتمل عليه كتاب الأعمال من خير أو شر .وربما كانت كلمة الإمام أوفق بالوجوه الثلاثة ،بقطع النظر عن القرينة التي ذكرناها ،لأنها مأخوذة من الموقع المتقدم الذي يتبعه الإنسان ويسير خلفه ،أمّا إطلاقه على كتاب الأعمال ،فعلى أساس العناية التشبيهية ،باعتبار أنه يمثل حركة المصير الأخروي الذي يسير الإنسان وراءه ،لأنه هو الذي يحدّد له خط السير هناك .
كل يرى عمله
{فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَأونَ كِتَابَهُمْ} ويقبلون عليه بشغف ولهفة ويدققون في كل تفاصيله بشوق ومحبّة ،لأنهم يعرفون من خلال ذكريات الدنيا كيف كانت أعمالهم منسجمةً مع خط الحق الذي جاء به النبي عن الله ،ودعا إليه الأئمة والعلماء ،ويعرفون أن الله لا يضيع عمل عامل منهم من ذكر أو أنثى ،{وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} ولا ينقصون منها شيئاً ،حتى بمقدار الفتيل ،وهو المفتول الذي في شق النواة ،أو في بطنها ،في ما يمثله ذلك من الشيء الدقيق الخفيّ .