{ يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ( 71 )} .
{ يوم} منصوب بفعل محذوف تقديره ( ذكر ){ يوم ندعو كل أناس} ، ومجئ هذا بعد آية التكريم يدل على أن ذلك له صلى بالتكريم فكان من تكريم الإنسان أنه لم يخلق سدى ، بل خلق متحملا التبعة التي لا يتحملها إلا الكرماء ، فمنكرو البعث رافضون للكرامة التي أكرمهم الله تعالى إياها لو كانوا يعقلون .
وقوله تعالى:{ يوم ندعو كل أناس بإمامهم} أضاف سبحانه الدعاء إليه للإشارة إلى أنهم يلقونه ، وقد كذبوا من قبل بلقاء ربهم ، وخسروا بذلك خسرانا مبينا كما قال تعالى:{ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله . . .( 31 )} [ الأنعام] ، و ( إمامهم ) أي بما يأتمون به ويتبعونه من بين هاد أو مرشد أو كتاب تدارسوه واتبعوه ، وغير ذلك مما يكونون له تبعا ، وفسره ابن كثير بأنه كتاب أعمالهم ، فإنه في هذا الوقت تكون الأعمال هي الناطقة التي تقدم أصحابها ، كما قال تعالى:{ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ( 28 ) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ( 29 )} [ الجاثية] .
وإنه يرشح لذلك قوله تعالى:{ فمن أوتي كتابه . . .} .
وكن كيف يسمى كتاب الأعمال في الدنيا إماما ، وهو نتيجة لاتباع غيره من هاد أو ضال ، ولهذا رجح الأكثرون بأن الإمام هو القدوة المتبع هاديا مرشدا ، أو غاويا مضلا .
وقد يجاب عن الرأي الأول بأن الكتاب سمى بذلك ؛ لأنه حجة عليه لا يستطيع معه إنكارا ،{ فمن أوتي كتابه بيمينه} الفاء تشير إلى أن هناك من يعطى بيمينه ، ومن يعطى بشماله ، أو هي تفصح عن كلام مقدر ،{ أوتي} ، أي أعطى كتابه بيمينه وإعطاء الكتاب بيمينه يشير إلى أنه من أهل اليمين وهم أهل الجنة كما قال الله تعالى:{ وكنتم أزواجا ثلاثة ( 7 ) فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ( 8 ) وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشأمة ( 9 )} [ الواقعة] ، ويقول سبحانه عن أصحاب الشمال:{ وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ( 41 ) في سموم وحميم ( 42 ) وظل من يحموم ( 43 ) لا بارد ولا كريم ( 44 )} [ الواقعة] .
وقوله تعالى:{ فأولئك يقرءون كتابهم} ، أي أنهم يقرءون كتابهم مستمتعين بهذه القراءة مدركين جزاءهم متوقعين له ،{ ولا يظلمون فتيلا} ، أي مقدار فتيل ، وهو ما يكون بين جزأي النوات وهو ضئيل ، كما قال تعالى:{. . .ولا يظلمون شيئا ( 60 )} [ مريم] ، وكما قال تعالى:{. . .فلا يخاف ظلما ولا هضما ( 112 )} [ طه] .
وقد ذكر سبحانه أن أهل اليمين يقرءون كتابهم ولم يذكر أهل الشمال أنهم يقرءئون كتابهم ؛ لأنهم لا يقرءونه استخزاء من أفعالهم وهو كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .