قوله تعالى:{وَمَن كَانَ في هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ في الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} .
المراد بالعمى في هذه الآية الكريمة: عمى القلب لا عمى العين .ويدل لهذا قوله تعالى:{فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ} [ الحجر: 46] لأن عمى العين مع إبصار القلب لا يضر ،بخلاف العكس ؛فإن أعمى العين يتذكر فتنفعه الذكرى ببصيرة قلبه ،قال تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَآءَهُ الاٌّعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى} [ عبس: 1-4] .
إذا بصر القلب المروءة والتقى ***فإن عمى العينين ليس يضير
وقال ابن عباس رضي الله عنهما لما عمي في آخر عمرهكما روي عنه من وجوهكما ذكره ابن عبد البر وغيره:
إن يأخذ الله من عيني نورهما*** ففي لساني وقلبي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل*** وفي فمي صارم كالسيف مأثور
وقوله في هذه الآية الكريمة:{فَهُوَ فِى الاٌّخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} قال بعض أهل العلم: ليست الصيغة صيغة تفضيل ،بل المعنى فهو لآخرة أعمى كذلك لا يهتدى إلى نفع ؛وبهذا جزم الزمخشري .
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يتبادر إلى الذهن أن لفظة «أعمى » الثانية صيغة تفضيل ؛أي هو أشد عمى في الآخرة .
ويدل عليه قوله بعده{وَأَضَلُّ سَبِيلاً} فإنها صيغة تفضيل بلا نزاع .والمقرر في علم العربية: أن صيغتي التعجب وصيغة التفضيل لا يأتيان من فعل الوصف منه على أفعل الذي أنثاه فعلاء ؛كما أشار له في الخلاصة بقوله:
* وغير ذي وصف يضاهي أشهلا *
والظاهر أن ما وجد في كلام العرب مصوغاً من صيغة تفضيل أو تعجب غير مستوف للشروطأنه يحفظ ولا يقاس عليه .كما أشار له في الخلاصة بقوله:
وبالندور احكم لغير ما ذكر ***ولا تقس على الذي منه أثر
ومن أمثلة ذلك قوله:
ما في المعالي لكم ظل ولا ثمر ***وفي المخازي لكم أشباح أشياخ
أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم*** لؤماً وأبيضهم سربال طباخ
وقال بعض العلماء: إن قوله في هذا البيت «وأبيضهم سربال طباخ » ليس صيغة تفضيل ؛بل المعنى أنت وحدك الأبيض سربال طباخ من بينهم .