وينتقل إلى توبيخ صاحبه ، وتنبيه إلى وجوب الشكر فيقول كما حكاه الله تعالى:
{ ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا 39 فعسى ربّي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا 40} .
{ لولا} للحض ، والمبالغة في الإنكار بمعنى هلا ، أي هلا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله و{ إذ} بمعنى وقت ، المعنى هلا وقت دخولك جئتك ورؤيتك هذه النعمة قلت ما شاء الله ، أي هذا ما شاء الله ، وأنه بإرادته ومشيئته ولولا مشيئته ما نلتها ، وأنه لا قوة لك إنما القوة كلها لله ، فهو الذي أعطاك وإن حق النعمة شكرها لا كفرها ولا التطاول بها ، والمفاخرة على غيرك والاعتزاز بها من غير عزة الله سبحانه وتعالى .
ثم أخذ بعد ذلك يرد على مفاخرته راضيا راجيا ،{ إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا 39 فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك} ،{ إن ترن} حرف شرط وفعله وجوابه ،{ فعسى} والفاء داخلة فيه ، لأنه فعل طلب للرجاء ، و{ أنا} ضمير الفصل فيه تأكيد لحديث المتكلم عن نفسه ، وكان التأكيد لبيان أنه أقل منه في نظره ، أي إن ترني أنا في نظرك أقل منك ، فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، لا يمنعه أحد من عطاء يشاؤه ، فعسى ربي الذي خلقني وكفلني وقام على شؤوني أن يؤتيني خيرا من جنتك التي تفاخر بها وتغتر بها ، إني أرجو الله وأرجو ما عنده مؤمنا بأنه هو الذي يعطى ويمنع فإن أعطانا شكرنا ، وإن منعنا صبرنا ، وهو خير لنا .
وقال:{ ويرسل عليها حسبانا من السماء} ، الضمير في{ عليها} يرجع إلى الجنة ، لأنها المذكورة وحدها في قوله تعالى:{ فعسى ربّي أن يؤتين خيرا من جنتك} والحسبان هو العواصف من السماء التي يطلق عليها مرامي السماء والحسبان الصاعقة ، ويطلق على العذاب ، ولعل أقرب المعاني هو الصاعقة المحرقة للزرع والشجر والنخيل وغيرهما من أنواع الأشجار المثمرة وغير المثمرة ، ويكون المعنى عسى أن يعطيني الله من خيرا من جنتك ، ويرسل على جنتك صواعق من السماء{ فتصبح} الجنة خالية من الأشجار{ صعيدا زلقا} ، أي صعيد أملس لا شجرة فيه ، ولا ينبت شجرة ، ولا كلأ ، و{ زلقا} هو الذي لا يثبت عليه قدم وهو كناية عن أنه خال من كل نبات وشجر وهو بلقع لا ثمر فيه .