{ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا 55} .
{ الناس} هنا قيل إنهم أهل مكة ، وأميل إلى أن هذا بيان لطبائع الكافرين ، وأخص من ينطبق عليهم المشركين في مكة فقد أغروا بالجدل والمراءاة في الحقائق ، وهو قوم خصمون ، كما ذكر القرآن الكريم في أوصافهم ،{ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى} ، أي ما منعهم الإيمان ، وقد توافرت أسبابه وإذ جاءهم الهدى بالرسول أرسله الله إليهم ، بالكتاب الحكيم نزله هاديا مرشدا ، ما منعهم الإيمان إلا طغيان نفوسهم ، وازورارهم عن الحق والجدل حوله ، فإن علاج هذه الحال أن تأتيهم سنة الأولين ، أي الطريقة التي نزلت بالأولين وهي الاستئصال بجعل عالي الأرض سافلها ، أو ريح صرصر عاتية ، أو بغرق ، أو بإمطارهم بحجارة من سجيل .
فقوله تعالى:{ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا 55} ، أي عيانا ظاهرة أي انتظار الهلاك بالاستئصال أو انتظار عذاب يوم القيامة معاينة هو الذي منعهم من الإيمان بالهدى والاستغفار من ذنوبهم ، ونقول إن هذا تصوير محكم لحالهم في طغيانهم وغلوائهم كأنهم ينتظرون العذاب ولا ينتظرون الهداية فشبه سبحانه وتعالى حالهم في الشر ، واستمكانه في نفوسهم واسترسالهم في الطغيان بحال من يمنعهم الهداية مجرد انتظار العذاب ، وهذا تصوير لإمعانهم في الطغيان والظلم والعدوان مجاوزة حدود العقل والفكر .