بعد ذلك بيّن سبحانه أن الإنسان يرى في هذه الدنيا العبر ، وعجائب الوجود ولكن لا يعتبر ، ولذا قال تعالى:
{ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا 7 ، وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا 8} .
بعد ذلك ذكر سبحانه وتعالى عذاب القلوب وروح النفوس فأخذ سبحانه يبين غذاء الأجسام
ومتعة الأعين ، وزخرف الحياة فقال:{ إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} فزرعها وثمارها وبواسقها ودوحاتها ، وأوتادها وحيوانها ، ترى القطعان تنفث في المراعي ذاهبة عائدة ،{ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون 6}( النحل ) ، هذه زينة الدنيا ، كما قال تعالى:{. . . .وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج 5} ( الحج ) ، وكما قال تعالى في سورة ق:{ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج 7 تبصرة وذكرى لكل عبد منيب 8 ونزّلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد 9 والنخل باسقات لها طلع نضيد 10 رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج 11} .
هذه المتع التي تشرق بها النفس فتجد فيها سعادة النفس وغذاء الجسم مكن الله تعالى بنى آدم منها لغاية ، وهو الاختبار ؛ ولذا قال تعالى:{ لنبلوّهم أيهم أحسن عملا} ، أي لنعاملكم معاملة المختبر الذي يريد أن يظهر ما قدره لكم محسوسا واقعا ، وقوله تعالى:{ أيهم أحسن عملا} ، أي حالهم حال من يسأل أيكم أحسن عملا ، فالاستفهام هو معنى الابتلاء ، فمن اغترّ بالدنيا واستولت عليه
زينتها ، وبهرته ونسي الآخرة ، فإنه لا يحسن عملا ، ومن أدرك حقيقتها ، وهي أنها ظل زائل ، وأنها لهو ولعب ، والحياة الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون ، فإنه هو الذي يحسن العمل ويستحق الجزاء الأوفى .
وقوله تعالى:{ أحسن عملا} ، أفعل التفضيل ليس على بابه ، والمعنى بلغ أقصى درجات الحسن ، أو هو على بابه ويكون الاختبار لتنزيل الناس منّا فمن اتجه إلى الخير ناله بقدره ، ومن اتجه إلى غيره تردى في منحدر المعصية .