النعم وفلسفة البلاء الإلهي
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَّهَا} وذلك بما أنعمنا على الناس من جاهٍ ومال وأولاد ،وأعطيناهم من امتيازاتٍ ،يستمتعون بها ،ويتنافسون فيها ،وقد يتقاتلون في سبيل الحصول عليها ،كما يتعقَّدون في مواجهة قضايا الحق والباطل والخير والشرّ من خلال تأثيرها على مصالحهم وأوضاعهم في خدمة هذه الشهوات والامتيازات ...إنا جعلنا ذلك كله لهم ،من خلال ما أودعناه في الأرض من ذلك ،ولكن لا لأنه يمثل رسالة الحياة وهدفها ومعناها في واقع الإنسان ،بل من أجل أن يكون موقعاً للتجربة والحركة في اتجاه تأكيد الإرادة ،على أساس اختيار القرار الأفضل لمصلحة الالتزام من قاعدة الحرية الإنسانية في مواقع الصراع ،لينطلق التسابق بين الناس من أجل تحديد الأحسن في عملية إثارة للطموح في الاتجاه الصحيح .
وجوب عدم الاستسلام للدنيا
{لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} وذلك في ساحة تجربة الحياة التي تتنوّع فيها المغريات ،وتختلف فيها الشهوات ،وتتكاثر فيها الأطماع ،مما يعيش الإنسان معه حالة التحدي الصارخ الذي يواجه إيمانه ويهز موقفه ،فإذا انطلق ليتحرك في الاتجاه الأفضل الذي يتمرّد فيه على الشهوة الحرام ،والمال الحرام ،والجاه الحرام ...ويستبدل ذلك بالطاقة التي تخدم الحياة والإنسان في خط الله ،فإنه يكون ممن يعيش التفاضل في العمل تجاه الآخرين ،أمّا إذا سقط في التجربة ،فإنه يسقط في المصير .ومهما كان الوضع العملي للإنسان ،في نتائجه السلبية أو الإيجابية ،فإن هذه الحياة الحلوة الرخيّة ،التي تشتمل على الزينة المادية والمعنوية التي يستمتع بها الناس ،لن تبقى في هذه الأرض ،فستعود أرضاً لا تنبت شيئاً ،كأنها تأكل النبات أكلاً ،فلا تعطي الحياة شيئاً ،ولن تحقّق للإنسان أيّة متعةٍ .