اطمأن زكريا الرسول إلى بشرى رب العالمين أو قوي اطمئنانه ، أو زالت الغرابة من نفسه وبقي أن يوثق البشرى:
{ قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا 10} .
الآية هنا العلامة التي يعرف بها أن امرأته حملت ، وأن الولادة آتية لا ريب ، فإن الولد قرة عينه وإنه آت لا محالة لوعد الله تعالى به . وإن الله لا يخلف الميعاد{ قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} ، وقد قال تعالى في سورة آل عمران:{ قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبّح بالعشيّ والإبكار 41} .
وقد ذكر الأيام في سورة آل عمران ، والليالي في سورة مريم ، للدلالة على أن العلامة هي ألا يكلم الناس ثلاثة أيام بلياليها ، وكان ذكر الليالي في هذه السورة لأنها مكية ، وما كان العرب الأميون في مكة يعرفون الأيام إلا بالليالي ، حيث يرون القمر فهو شهر الأميين ، والأيام الثلاثة قد حبس الله تعالى لسانه عن النطق ، فما كان يتكلم إلا بالإشارة ، كما قال تعالى في سورة آل عمران:
{. . .ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا . . . 41} ، أي بالإشارة وأوضح الإشارات الكتابة ، وقوله تعالى:{ سويا} حال من ضمير{ تكلم} ، أي سوي الخلق سليم الحواس ، أي وحاستك سليمة ، ولماذا كانت العلامة الدالة على وفاء الله ببشراه وتنفيذها بالفعل هي حبسه عن الكلام ثلاثة أيام متتابعة ، وهو سليم الحواس ؟ ، تلك إرادة الله تعالى ولا يعلم إرادة الله إلا الله سبحانه وتعالى ، وقد نتلمس معرفة بعض أسرار ذلك الحبس فنقول إنه سبحانه وتعالى قد أراد به العتب ، لذكر غرابة البشرى ، وقد يكون إعفاء لزكريا وامرأته من لجاجة القول عند الفضوليين من الناس ، وقد يكون للانصراف إلى العبادة والعكوف في منزله أو المسجد الأقصى ، قد يكون لذلك أو لغيره ، والعلم عند الله العليم الخبير . ولمّا تأكد مجيء الولد وكان على وشك المجيء ، كان التسبيح والتكبير هو شكر الله تعالى ، وكان ذلك منه ومن قومه ، لأنه ليكون لهم ولي لزكريا ، له حنانه وعطفه ومحبته ، ولذا قال تعالى:
{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا 11} .