هذا هو التعريف بعيسى عليه السلام
هذا بيان لعيسى عليه السلام ، بينت الآيات فيه كيف حملت به أمه ، وبينت أن الذي نفخ فيها روح القدس ، وهو مخلوق من الله تعالى ، فيكون ما ينفخه مخلوقا أيضا ، فيكون دعوى أنه الله دعوى لا أساس لها من الصحة ، بل باطلة في ذاتها ، وفيما اقترن بولادته فهو مخلوق كسائر المخلوقات ، وإذا كان مخلوقا فهو محدث ، وليس بقديم ، ولم ينشأ عن الله نشوء العلة من المعلول ، كما ينشأ المسبب عن السبب ، بل خلقه وأبدعه مختارا مريدا ، أنشأه من حيث لم يكن ، لذا قال تعالى:
{ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون 34} .
الإشارة إلى المذكور من التبشير به على لسان جبريل عليه السلام ونفخه في مريم من جيب قميصها إلى ولادته ونطفه غلاما زكيا ، وإن ذلك كله خارق لنظام الأسباب والمسببات الذي كان يؤمن به فلاسفة الإسكندرية التي ولدت منها ديانة التثليث .{ قول الحق} هنا قراءتان:قراءة بضم اللام{[1470]} ، ويكون{ قول الحق} بدلا من{ عيسى} ، أي عيسى هو قول الحق ، والإضافة من إضافة الاسم إلى الوصف ، كقولهم خاتم حديد ، أي خاتم هو حديد ، وكان عيسى{ قول الحق} ، لأنه نشأ بالقول ، إذا قال الله تعالى:( كن ) فكان كما قال تعالى:{. . .وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه . . . 171} ( النساء ) ، وعلى النصب{[1471]} يكون{ قول} مفعول لفعل محذوف ، ويكون حذفه لبيان اختصاصه بأنه قول الحق وتقدير الكلام أخص قول الحق ، وأنه خلق بقوله تعالى:( كن فيكون ) ، كما أشرنا ، وكما سيقول الله تعالى فيما يتلو ذلك من آيات بينات ، وقوله تعالى:{ الذي فيه يمترون} الامتراء:الشك المقترن بملاحات ومجادلات بل مهاترات أحيانا .
وكذلك كان شخص عيسى عليه السلام موضع ملاحات وخلافات بين طوائف مسيحية ، فإنه منذ انعقد مجمع نيقية سنة 325 ميلادية والمناقشات جارية حول شخص المسيح عليه السلام ، فمن ادعاه بنوته لله تعالى وألوهيته وفرضها على المسيحيين الموحدين ، والخلافات والملاحات تجري ، فقد ضموا إلى ألوهيته ألوهية روح القدس ، ثم اختلفوا أهو أنشأ من الله أم من المسيح أم منهما ، ثم كان الخلاف في المشيئة أهي من الناسوت واللاهوت أم منهما ، إلى آخر ما اختلفوا ، ثم ثبت في النصرانية الأخيرة من قال:إن المسيح شخصية خرافية لا وجود لها ، اخترعتها الأفلاطونية الحديثة لتجعل مذهبها دينا من الأديان ، فيسهل الإقناع بها ، وذلك لتوافق النصرانية المثلثة مع هذه الفلسفة تماما .