وقد بين الله تعالى الحق في المسيح عيسى عليه السلام وهو أنه عبد من عباد الله تعالى اختاره سبحانه نبيا رسولا ، وقد خلق من غير أب ، ليكون في خلقه آية ، تبين أن الله سبحانه وتعالى فعال مختار لا يلزمه نظام الأسباب العادية ومسبّباتها ولقد أكد سبحانه ما ذكره من أنه خلق من مخلوقات الله تعالى ، لذا قال عز من قائل:
{ ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون 35} .
نفى سبحانه وتعالى أن يكون له ولد مثبتا له سبحانه بلحن القول وبصريحه أن ذلك ليس من شأنه ، ولا من صفات الكمال والجلال ، اتصف سبحانه وتعالى بها مخالفا الحوادث فقال:{ ما كان لله أن يتخذ من ولد} ، أي ما ساغ ، وما استقام أن يتخذ من ولد أي ولد كان ، عيسى أو غيره ، لأنه منزه عن مشابهته للحوادث ، ولأنه دليل الاحتياج ، والله غني الحميد لا يحتاج لأحد ، ولأنه خالق الوجود فنسبة كل موجود إليه كنسبة المخلوق للخالق ، ولأنه لو كان له ولد لكانت له صاحبة تلده ، ولذا قال تعالى:{ بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم 101} ( الأنعام ) ، وقد صرح سبحانه تنزيهه عن ذلك فقال تعالى:{ سبحانه} ، أي تقدست ذاته المتصفة بالكمال ، والغنى عن كل البشر ، والذي ليس كمثله شيء – عن ذلك:{ إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} ، أي إذا حكم بوجود أمر أراد أن يوجد تكون إرادته وحده هي الموجدة وحدها من غير أوساط ، ولا وسائط ، وقد شبه حاله في ذلك في سرعة الإيجاد ومن غير وسائط بما إذا قال كن فيكون لسرعة الإيجاد ، ولأنه وحده الفعال لما يريد ، فلا مكان لغير إرادته سبحانه .