وإن كانوا يعرضون عن ذكر البعث والنشور ، ولا يبصرون العواقب ، ولا يتدبرون ما وراء ، وإنهم في هذا اليوم المشهود يكنون أحدّ الناس سمعا وبصرا وإدراكا لما أنكروا من قبل ، ولذا قال تعالى:
{ فاسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمين اليوم في ضلال مبين 37} .
{ اسمع بهم وأبصر} لفظان يستعملان للتعجب في اللغة العربية ، أو لأفعل التفضيل المستفهم به ، أي ما أسمعهم وما أبصرهم ، فهم حديد والسمع والبصر ، والمعنى أن حالهم في قوة سمعهم للحق وقوة بصرهم وإدراكهم للحق حال المتعجب منه المستغرب وليس ذلك بعجب على الله ولا غريب عليه سبحانه ، لأنه عليم بكل شيء ، فليس شيء بغريب على علمه سبحانه ، إنما الغرابة علينا ، وهذا غير حالهم اليوم لأنهم اليوم في ضلال مبين واضح ، أي حالهم يوم الشهود ، فقد زالت الغفلة وزال الضلال ، وزالت الأوهام التي أضلتهم ، ولذا قال تعالى:{ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} ،{ اليوم} المراد به الحياة الدنيا ، فهم في ضلال في الحياة الدنيا بسبب الأهواء وتحكمها في مداركهم وأحاسيسهم ، والأوهام وسيطرتها على عقولهم ، ونقول:وضع الظاهر موضع الضمير ، لإثبات أن السبب في هذا الضلال هو ظلمهم لأنفسهم بعدم الإدراك الصحيح ، وظلم العباد للنبيين ، وفتنة المؤمنين ، الاستدراك في قوله تعالى:{ لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} ، لبيان التفاوت بين حدة سمعهم وبصرهم التي توجب العجب ، وحالهم في هذا اليوم في الدنيا التي كانوا فيها عمين عن الحق ، ووقوعهم في الضلال المبين البين الواضح .