{ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا 93 لقد أحصاهم وعدهم عدّا 94} .
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه:يقول الله تبارك وتعالى:"كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذبيه إياي فتقوله لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن له كفؤا أحد"{[1481]} ، ولذا ما كان ينبغي أن يكون للرحمن ولدا ، لأنه تطاول على مقام الألوهية من قائليه ، لأن العباد جميعا بالنسبة له على سواه ، وعيسى عليه السلام عبد الله ورسوله . وكما قال تعالى:{ لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون . . . 172} ( النساء ) .
و( إنْ ) في قوله تعالى:{ إن كل من في السماوات} نافية ، أي ما كل من في السماوات والأرض إلا آتيه خاضعا خانعا لله سبحانه وتعالى ، قائما بالعبودية ، فالجميع خاضع له خضوع العبيد الأحياء وغير الأحياء ،{ ولله يسجد من في السماوات والأرض . . .15} ( الرعد ) .
وقوله تعالى:{ إلا آتي الرحمن عبدا} ، إلا آتيه مقبلا على الله تعالى إقبال العبد في خضوع وخنوع ، خضوع العابد للمعبود ، وهو الله جل جلاله ، ويقول الإمام الزمخشري في تفسير هذه الآية:والمعنى ما من معبود لهم في السماوات والأرض من الملائكة ومن الناس إلا وهو يأتي الرحمن ، أي يأوي إليه ويلتجئ إلى ربوبيته عبدا منقادا مطيعا خاضعا خاشعا راجيا كما يفعل العبيد ، وكما يجب عليهم لا يدعي لنفسه ما يدعيه له هؤلاء الضُّلال ، ونحوه قوله تعالى:{ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه . . .57} ( الإسراء ) ، وكلهم منقلبون في ملكه مقهورون بقهره ، وهو مهيمن عليهم ، محيط بهم ، ويحمل أمورهم ، وتفاصيلها ، وكيفيتهم ، وكميتهم ، ومجيئهم ، لا يفوته شيء من أحوالهم .