وما كان ذلك الوجوب إعلاما بإعلان الحق في الكتاب الكريم والعقاب على الكتمان إلا لأن الكتاب أنزل بالحق ، والذين يختلفون فيه اختاروا المشاقة على الإيمان ، ولذلك قال تعالى:{ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق} أي أن الله تعالى نزل القرآن في مدى ثلاث وعشرين سنة بالحق الثابت الذي لا مرية فيه ، ولا شك أن من يكتمه ولا يبينه للناس ليستضيئوا بنوره ، وليهتدوا بهديه يرتكب إثما عظيما ، يستحق عليه عقابا أليما ، وهو الطريق المستقيم ، ولا ينبغي لأحد أن يخالفه أو يختلف في شأنه وصدقه ، ولذا قال عز من قائل:{ وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} ، فمن يؤمن ببعض ويكفر ببعض ويترك ما يدعو إليه ، أو يجعله عضين مفرقا يفهمه غير مستقيم في فهمه بل يفهمه متناقضا على حسب هواه ، لا على مقتضى نسقه الحكيم ، من يفعل ذلك فشأنه في شقاق بحيث يتخذ كل واحد شقة من القول ، ويكون كل شق بعيدا عن الآخر ، لا يتلاقون أبدا فهم في خلاف وكل حزب بما لديهم فرحون .