ويقول سبحانه:{ يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا 103} .
الخفت:خفض الصوت ، و{ يتخافتون}:يتبادلون الصوت الخافت الذي يكون بين الجهر والإسرار والنجوى ، فهو ليس إسرارا ولا نجوى ، ولكنه إعلان في خفت ، وهذا التخافت من الهلع والفزع ، فإن المفزوع الخائف الهالع يكون كلامه خفيضا من شدة فزعه ، إذ لا يستطيع أعلى منه ، ولأنه يحسب أنه محسوب عليه قوله .
واللبث المتحدث عنه في أي حال هو ، أهو اللبث في الحياة الدنيا ، أم اللبث في القبور بين الموت والبعث ؟ اتجه كثيرون من المفسرين إلى أنه اللبث في الحياة الدنيا مستمتعين بلذائذها وزينتها وزخارفها ، فإنهم يحسبونه زمنا قليلا ويجتمع عليهم ألمان:ألم بشعور قلة متاعهم في الدنيا ، والألم الثاني طول عذابهم في الآخرة ، أي أنهم يدركون أن الدنيا متاع قليل بجوار عذاب الآخرة الطويل ، ومهما تكن حالهم فإنهم يستقلون متعتهم التي يحاسبون فيها بجوار الشقاء الذي يلقونه في دار الجحيم التي يخلدون فيها ، ويزكي هذا قوله تعالى:{ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين 112 قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادّين 113} ( المؤمنون ) .
واتجه بعض المفسرين إلى أن اللبث في القبور إلى وقت البعث ، وذلك أنهم يحسبون أنهم لبثوا وقتا قصيرا ثم استيقظوا بالبعث .
وإني أميل إلى ذلك الرأي ، فإنهم وقت البعث لا يحسبون أنهم قضوا وقتا طويلا في القبور ، وذلك من قدرة الله وضعف الإنسان ، والعشر هي عشر ليال بدليل حذف التاء ، والشهر العربي يعرف بالليالي ، وهو لغة القرآن الكريم .
هذا ما يقدره بعض الناس ، ويقدره آخرون بيوم واحد ، وهو أمثلهم طريقة ، ولقد قال تعالى{ نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما 104} .