وقد بين الله تعالى مقدمات يوم القيامة فقال تعالى:
{ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا 102 يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا 103} .
{ يوم} عطف بيان عل قوله{ يوم القيامة} وإن يوم نفخ الصور هو يوم البعث الذي يقدم بعده يوم القيامة ، وهنا ثلاث قراءات في{ ينفخ} فقرئ بالياء المضمومة والبناء للمجهول ، وقرئ ( ننفخ ) وضمير المتكلم لله سبحانه وتعالى ، لأن النفخ يكون بأمره ، والآمر بأمر يعد فاعله ، وقرئ ( ينفخ ) بفتح الباء بالبناء للفاعل ، والضمير يعود على الله تعالى ، لأنه الآمر ، والفعل الآمر به كما ذكرنا .
و{ الصور} هو البوق ، وقد قال الراغب الأصفهاني في المفردات:"قيل هو مثل قرن ينفخ فيه ، فيجعل الله سبحانه ذلك سببا لعود الصّور والأرواح إلى أجسادها ، وروى في الأثر أن الصور فيه صور الناس كلهم .
وعلى ذلك يكون للنفخ في الصور معنيان أحدهما:أنه بوق يجمع الله تعالى بالنفخ فيه الأجزاء المتفتتة في الأرض فتعود صورها وأرواحها ، والثاني:أن يصور الأجساد المتفتتة فيه ينفخ فيها فتكون أجسادا حية فيها أرواحها .
وعندي أن قوله تعالى:{ يوم ينفخ في الصور} تصوير لجمع الأموات وبعثهم بأنه لا يتجاوز النداء كقوله ( كن فيكون ) كالقائد ينفخ في البوق فيجتمع الجند بل إنه أسرع من لمح البصر ، إذ يكفي النداء من رب العزة فيجتمع الجميع ، وإذا اجتمع الجميع اختص الله المجرمين بالذكر ، فقال عز من قائل:{ ونحشر المجرمين يومئذ رزقا} ، لأنهم الذين كفروا وعاندوا فكان اليوم عليهم ، وعاندوا واستكبروا ، وقد قال تعالى:{ نحشر} أي نجمعهم مكدسين كالأشياء لا كرامة لهم بل مهانين غير محترمين ، وقال تعالى في سوء حالهم{ زرقا} ، وزرقا أي أن أعينهم عميت لأن العين إذا عميت كان سواد حبتها أزرق ، وذلك تشويه لها وتشويه للوجه وطمس للعين ، ويقول البيضاوي تابعا للزمخشري:زرق العيون ، وصفوا بذلك ، لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها إلى العرب ، لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق العيون ، ولذلك قالوا في صفة العدو أسود الكبد ، أزرق العين .
ولعل وصف الزرق بالعمى أقرب من ذلك القول ، ولا نحسب أن وصفهم بزرق العيون ذما جيدا في ذاته .
ونحن نقول إن القرآن الكريم لم يجعل{ زرقا} وصفا للعيون ، ولكنه وصف لأجسامهم ، ولا شك أن وصفهم بأنهم زرق في أجسامهم ووجوههم وصف لهم بالهلع والفزع ، وهو المقصود ، فهم هلعون فزعون من هول ذلك اليوم الشديد ، والزرقة أقرب إلى السواد ، فهي أدل على الفزع ، ومعناه أنهم يجيئون سودا ، ويتحقق قوله تعالى:{ يوم تبيض وجوه وتسودّ وجوه . . .106} ( آل عمران ) .