بين له تعالى المتعة في الجنة ، وهو أنه لا يتحمل تبعات أي أمر ، ولا تكليف فقال تعالى:
{ إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى 118 وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى 119} .
بين الله سبحانه وتعالى بهاتين الآيتين أن في الجنة كل ما يطمع فيه الإنسان من حياة هينة فيها كل مرافق قوامه الآدمي من أكل وكسوة ، وشرب ، وإقامة ، وفي ذلك إشارة إلى ما يجب أن يطلبه الإنسان ، فإذا كفى هذا فقد أوتي الدنيا بحذافيرها ، فإن وراء المطامع الأخرى من جاه وسلطان وتحكم المصارع ، كما قال علي كرم الله وجهه:مصارع الرجال تحت بروق المطامع .
وقوله تعالى:{ ولا تضحى} أي لا تبرز ، وقد ورد عن ابن عمر أنه رأى رجلا مستظلا عن الشمس قال:اِضْحَ لمن أحرمت له{[1494]} ، فضحى بمعنى برز للشمس ، ولا يضحى بمعنى لا يبرز لها بأن يسكن في كنٍّ لا يبرز فيها له ، أي في مسكن ، والمعنى على ذلك أنك تجد كفايتك في الحياة فتجد الطعام الذي تأكله ، واللباس الذي يقيك العري ، والماء الذي تشربه ، والسكن الذي يؤويك وحسبك ذلك وكفى ، وقد قال البيضاوي في هذا النص القرآني الكريم:إنه بيان وتذكير لما له في الجنة من أسباب الكفاية ، وأقطاب الكفاف التي هي الشبع والري والكسوة والسكن ، ومستغنيا عن اكتسابها ، والسعي في تحصيل أغراض ما عسى ينقطع ويزول منها بذكر نقائضها ليطرق بأصناف الشقوة المحذر عنها .
أي أنه ذكر هذه الكفاية ، وهي الطعام والكسوة والشراب والمسكن بصيغة النفي ، لأن عدمها هو موضع التحذير والمنع ، ولأن عدمها هو الشقاء في الجنة ، وقد نفي بذلك أنه لا يشقى في الجنة إنما الشقاء في غيرها ، وإبليس العدو يعمل على شقائكما وكدحكما ، إذ أخرجكما من الجنة فلا تطيعاه ، وقد أشرنا إلى أن هذه الأمور يجب أن تكون مطلبك يا آدم ، وإن في طلب غيرها التناحر على البقاء ، ومعه الشقاء ، وهذه موعظة لمن أراد جنة الدنيا دون شقائها .
وفي الآيتين من أساليب البيان ، فذكر المطلب الأساسي الإنساني{ إن لك} مؤكدا أن له الأكل والكسوة والشراب والمأوى ، هذا لك وحده ليس لك غيره ، وفي الجنة ، ويجب الاقتصار عليها في الحياة التي تستقبلك .