إن بعث الرسل كان بمقتضى حكمة الله تعالى حتما لازما ، لكيلا يكون للناس حجة ، وكانت البينة المثبتة لرسالة الرسول تكون بإرادة من أرسله وهو سبحانه وتعالى المرسل ، والعليم بما يؤمن عليه البشر من آيات تدل على رسالة من أرسله .
ولو أنه سبحانه وتعالى لم يرسل رسلا ، وكان الهلاك لقامت لهم حجة ، ولذا قال سبحانه:{ ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله} .
الضمير في{ قبله} يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن المناقشة مع المشركين ، فهو حاضر في الذهن ، وإن لم يكن مذكورا باللفظ ، ويصح أن يعود إلى القرآن ، لأنه البينة المثبتة لكل ما في صحف إبراهيم ونوح وموسى وعيسى وغيرهم ، والمعنى لو ثبت أنا أهلكناهم بكفرهم وضلالهم ، وأنهم يعيشون في الأرض فسادا لقالوا:{ ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا} يكون قولهم يوم القيامة ضارعا ، إذ ينادون{ ربنا} خالقنا والقائم على أمورنا وحياتنا:{ لولا أرسلت إلينا رسولا} ، أي هلا أرسلت إلينا رسولا يرشدنا ويعلمنا ، ويجنبنا طريق الباطل ، ويهدينا إلى الطريق المستقيم{ فنتبع آياتك} الفاء للسببية ، أي بسبب الرسل نتبع آياتك البينات ، والمراد الآيات الشرعية التكليفية ، أو نتبع خاضعين لموجب ما تدل عليه آياتك في هذا الوجود كله:{ من قبل أن نذل} باتباع الباطل والهلاك{ نخزى} أي نصاب بالخزي والعار في الدنيا والآخرة .
وإن أمر الشرك وأهله لعجب ، لأن الضلال إذ سيطر كان العجب ، فإذا أرسل إليهم رسول جحدوا وعنتوا معه ، وعاندوه ولم تعجبهم حجة لفرط إنكارهم لا لنقص في الدليل الذي قدم إليهم برهانا ساطعا ، وإن لم يرسل وعذبوا ، قالوا هلا أرسل إلينا رسول من قبل أن نذل ونخزى ، إنه ليس لهم إلا أن يروا عاقبة جحودهم وعنادهم ، ولذا قال عز من قائل:
{ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى 135} .